التواصل والتعاطي مع وسائل الإعلام واحدة من أهم مؤشرات الشفافية التي تسعى القطاعات دائما لتحقيقها وللوصول إليها. حيث يتطلب تحقيق هذا الأمر، العمل بشكل جاد وليس الركون إلى عبارات إنشائية. فتقديم المعلومة بأنواعها للأفراد والمجتمعات ليس أمرا ثانويا، بل مطلب أساسي واجب على كل الجهات.

العمل مع وسائل الإعلام بمختلف أطيافها وأشكالها، يتطلب جهدا كبيرا لا سيما وأن الوسائل المستخدمة في التواصل أصبحت أكثر حرفية من ذي قبل، والجمهور أصبح مطلعا وذكيا، وهي أمور لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار لأي قطاع يريد التواصل مع الإعلام.

فتزايد أعداد وسائل الإعلام بشقيه التقليدي والرقمي، يفترض أن يماثله وفي علاقة طردية جودة، في الظهور الإعلامي والتعاطي مع تلك الوسائل. إلا أن الواقع مختلف تماما فقد برزت ظاهرة الأقرب لتسميتها «فوبيا الإعلام»، هذه الظاهرة بدأت بالتنامي بشكل ملفت في الآونة الأخيرة. ولعل من أبرز ملامحها، القلق المبالغ فيه من مواجهة الإعلام وكأنه «بعبع» يحاصرهم، إضافة إلى البيروقراطية التي تصاحب أي ظهور إعلامي والإغداق في سيناريوهات سلبية محتملة اثناء مواجهة الإعلام، والدخول في سلسلة من الأزمات، أو على النقيض ظهور إعلامي باهت مبتذل ومتكرر دون أي إضافة تذكر.

الإشكالية أن تلك الفوبيا لا تصاحبها حلول في كيفية الظهور والتعامل الأمثل مع تلك الوسائل، بل -للأسف- تواجه بمزيد من المخاوف والقلق الدائم والتواري وتفضيل الصمت أثناء الأزمات. وهذا ملحوظ في حجم الاستعدادات التي تصاحب ظهور منسوبي أي قطاع، فحجم التدريب (المدفوع) علاوة على الوقت الطويل في الإعداد للأسئلة المتوقعة وظاهرة «التنسيق» مع المذيع حول ماهية الأسئلة، وقد يصل الأمر إلى إجراء بروفات للحوار مع المذيع ذاته.

العجيب في الأمر أنه بعد كل تلك البيروقراطية الإعلامية، تكون المحصلة النهائية كما يقول أشقاؤنا في مصر (يغرق في شبر مية)، بل إن معظم الأزمات التي ظهرت لبعض الجهات في الآونة الأخيرة أسبابها ظهور إعلامي سيئ غير مدروس، رغم التدريب! مما يزيد تلك المخاوف بشكل كبير معتقدين أن العلة في الإعلام، وليست فيهم ولا في عدم قدرتهم على التعامل معه.

الحضور في وسائل الإعلام يتطلب الفورية والشفافية والحضور الذهني المميز، القادر على التعاطي مع أي نوع من الأسئلة، وليس مع نمط الأسئلة المعدة سلفا، لذا إن أرادت القطاعات تفعيل جانب الشفافية، فعليها ترجمته فعلا لا قولا، وأن تتخلص من فكرة ترسبت في أذهانهم، أن الإعلام خطر وأنه ما يدخل في أمر إلا ويفسده، أو أن التعاطي مع الإعلام مضيعة للوقت.

وهنا يقع الدور الأكبر على عاتق من يقود الإدارات الإعلامية في القطاعات، عليهم أن يكونوا عونا لدفع عجلة الشفافية، لا أن يكونوا موظفين إداريين ينساقون خلف ما يطلب منهم، وللأسف الكثير منهم يصير في هذا الركب بالتحول من كونه مسؤول إعلام، إلى موظف إداري يشاركهم المخاوف من الإعلام.