يساعد الذكاء الاصطناعي في تغيير مفهوم الرعاية الصحية، بالسنوات القادمة في عدة مجالات، ومنها مجالات التنبؤ بالأمراض والمجالات التشخيصية والعلاجية، ولذلك تحولت رؤوس الأموال الضخمة إلى الاستثمار في هذا القطاع الواعد.

وبحسب أحد التقارير المنشورة بفوربس، سوف تصل المبالغ المستثمرة في برامج الذكاء الصناعي بالقطاع، إلى 45 مليار دولار بحلول عام 2026، علما بأن هذا الرقم لم يكن يتجاوز 600 مليون في العام 2014.

وتعمل الشركات التقنية الكبرى على تطوير خوارزميات، تعمل على تحليل عدد ضخم من المعلومات، ومن ثم الوصول إلى نتائج دقيقة بسرعة عالية ودقة مميزة، فباستخدام برامج تستطيع متابعة اضطرابات المؤشرات الحيوية للجسم، ومن ثم التنبؤ باحتمال حدوث مشاكل صحية قبل وقوعها، مثل الجلطات الدماغية والقلبية، وغيرها من الأمراض، ويؤدي ذلك إلى تفادي الكثير من الوفيات والمضاعفات الطبية بالمستقبل القريب. يشار إلى أن ما ذكر أصبح حقيقياً وليس ضرباً من الخيال، بعد أن طورت منصة كير بريديكت الأمريكية أداة قابلة للارتداء، تعمل على قياس التغيرات البسيطة في الأنماط السلوكية لكبار السن، والتي تسبق السقوط وسوء التغذية والاكتئاب، مع إمكانية إرسال إشارات ونتائج التدهور للأقارب، وأيضاً إرسال نداء استغاثة سريع عند الحالات الطارئة.

وفي مثال آخر على احتمالية الاستعانة ببرامج الذكاء الصناعي، بدلاً عن العنصر البشري الطبي، طور مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي، بمستشفى تيانتان ببكين، برنامجا جديدا يشخص أورام الدماغ بدقة عالية، وبالمقارنة مع العنصر البشري

«الاطباء» أجرى برنامج الذكاء الصناعي التشخيص الصحيح، لنحو 87 % من 225 حالة تعاني أورام المخ، في غصون 15 دقيقة فقط، بينما قضى الأطباء البشريون أكثر من 10 ساعات، لإكمال المهمة نفسها، ولم يحققوا سوى 6 6 % من الدقة. وذلك غير مستغرب، لأن التشخيص البشري يقوم على عدة عوامل ومنها براعة ودقة ملاحظة الطبيب، ولكن التشخيص الحاسوبي يقوم على خوارزميات تعالج ملايين المعلومات بدقة عالية، ولا تتأثر بالعوامل التي تؤثر في البشر، مثل الإعياء والتعب وعدم التركيز، وغيرها من الأمور التي قد تؤدي إلى نقص دقة التشخيص.

أما آخر صيحات الذكاء الصناعي، فقد شاهدتها بنفسي في فيلم «توب قن» بالأسبوع المنصرم، عبر الممثل الشهير فال كايمر، فالممثل الذي فقد القدرة على التحدث، بعد خضوعه لعلاج سرطان الحلق في عام 2014، تحدث بعدة كلمات خلال الجزء الثاني من الفيلم، بعد تطوير شركة باناسونيك برنامج ذكاء صناعي، استخدم العشرات من التسجيلات القديمة للوصول إلى دقة متناهية بالصوت، ونصيحتي المتواضعة لشركات وقيادات القطاع الصحي بالعالم العربي:

-1 دعم الموهوبين وتوفير البيئة المناسبة لهم، وعقد اتفاقيات تدريبية وتطويرية طويلة الأمد.

-2 الاستثمار بالتقنيات الذكية ومراقبة تطورها لحظة بلحظة.

-3 عقد شراكات عالمية «استثمارية» مع شركات الذكاء الاصطناعي، للوصول إلى برامج متقدمة، وخاصة أننا نملك المليارات من البيانات، والتي يمكن ترجمتها إلى نتائج مذهلة.

4 - تمكين وتسهيل «وتسعير» هذه الخدمات التقنية لزيادة شهية المستثمرين وتطوير هذه الخدمات.

مستقبلنا الصحي مختلف عما سبق، وشئنا أم أبينا سوف ينتهي زمن العيادة وطوابير الانتظار أمام الصيدليات، وسوف يأتي ذلك اليوم الذي معاينتك وتشخيصك وتوفير علاجك، سيكون عبر الأثير وبكل سهولة، بل ومن خلال تاريخك المرضي السابق، تتسابق البرامج الذكية لعمل حجوزاتك المستقبلية، واختيار أفضل العمليات التجميلية لأجساد «الحسناوات»، وذات يوم سوف تصافح جراحك «الريبوتي» وتحاول دعوته لعشاء فاخر بالاستراحة، وقد تصبح زيارة المنشأة الطبية مثل المرور حالياً لأخذ طلبات السيارة «Drive through»، في زمن قد تنقرض فيه بعض التخصصات الطبية ويختفي «البالطو الأبيض» وتصبح «الآلة» سيدة الموقف.