نحن بائسون عندما نُنَصِّبُ مزاجنا الشخصي مسطرة لبقية الأحياء، نحب من خلالها ما يتوافق من سلوكهم مع مزاجنا، ونكره مالًا يتفق.

فذلك الذي يشرب قهوته الصباحية بالسكر الخفيف، بعيد عن الجدية من وجهة نظرنا إن كنا نشربها سوداء مرة، وإن كان العكس وكانت قوالب السكر حليف مزاجنا، فالآخر ثقيل سوداوي الروح، يجلب القلق لكل الأحياء.

وإن كنا من غير المبالين بالحياة كابن العبد طرفة العظيم رمز الاندفاع حين يقول:-

فَإِن كُنتَ لا تَسطيعُ دَفعَ مَنيَّتي

فَدَعني أُبادِرها بِما مَلَكَت يَدي

عندئذ لا مفر من الاعتقاد بجبن الآخرين وخمولهم من أولئك الذين ابتليت بهم الحياة حد الضجر والاكتئاب.

وبنفس المسطرة نوزع ألقاب الحكمة أو السفه، الحيوية أو الجمود، الجمال أو القبح على المختلفين أو المتفقين معنا أفرادًا أو جماعات، شعوبًا أو ثقافات.

إن هذه القياسات العوجاء التي نتوهم صلاحيتها المطلقة تدخلنا في ذلك النفق الذي لم يتخلله ضوء فنصبح ونمسي أسرى قيده وظلامه، وضحايا أحكامه وأوهامه، حتى أصبح الأمر كالمصيدة التي لا يكاد ينجو منها أحد.

إنّ قِصر النظر خاصية بشرية مردها إلى الضعف الإنساني الذي قرره الله سبحانه وتعالى متلازمة لكل البشر ومع ذلك فإننا قليلًا ما نعترف بذلك، فنتوهم الحكمة في ما نصدر من أحكام بالرغم من انتفاء شواهد ذلك في كل العصور، وإن حضر شيء من الشواهد فهو حتمًا سيؤكد الجهل والنزق وقلة الإنصاف.

إنّ الهدوء لم يكن سمة إنسانية بقدر القلق والاندفاع والتسرّع حتى باتت الأعداد القليلة ممن اتصفوا بالهدوء قمة في الحكمة في عرفنا، وما ذلك إلا لأننا نظرنا إليهم من الجانب الذي ينقصنا، وليس من جوانب الاكتمال التي لم يحرزها بشر منذ خلق الله الكون، ولو تبصرنا في الأمور بعيدًا عن السائد والعادي لعرفنا أنهم أناس قلّصوا مساحة السلب لديهم فربحوا المعادلة البسيطة للحياة، ألا وهي عليك أن تهتم بتقليص العيوب لديك أكثر من تركيزك على مضاعفة الميزات والحسنات، لأن الناس تُقَدِّر من يجنّبها بعض عيوبه، أكثر من ذلك الذي يمنحها بعض المكاسب والحسنات.

ختامًا لربما نحن في أشد الحاجة للتواضع وإعادة النظر في الكثير من وجهات نظرنا وموجهاتنا الفردية والاجتماعية، فليس كل قديم بالٍ، وليس كل جديد غالٍ، لذا فمن الجيد فتح الأقواس والقبول بالاحتمالات في أمور الحياة انطلاقًا من تباين الناس الذي قرره الله بقوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)..