لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور رئيس في التحريض على تجاوزات عديدة.. كما أن لها يداً في السماح لمتغيرات دخيلة بالحضور في المشهد اليومي بالحياة الاجتماعية، ونمط التفكير الفردي.. ولنأخذ على سبيل المثال هروب الفتيات، سواء داخل السعودية أو خارجها، ذلك السلوك الغريب على ثقافة مجتمعنا المحافظ، الذي يعمل وفق الشريعة الإسلامية الغراء، التي تساوي بين الذكر والأنثى، والتي تعمل القوانين في المملكة على تأكيد ذلك بسن التشريعات المنصفةللمرأة بشكل خاص وللجنسين بشكل عام في شتى المجالات..

حيث إن قوانين المملكة العربية السعودية تحمي المرأة من العنف والتحرش، بل وتهيئ لها كل سبل الحياة الكريمة، لكنَّ أعداء بلادنا لا يزالون يتربصون بنا، للترويج بأنَّ بلادنا -على غير حقيقتها- لا تحفظ حقوق المرأة، وصولاً إلى ترويج مصطلح «لاجئات سعوديات»، ويوضع تحته أي محتوى مسيء.

وتطوَّر هذا الهروب، بدلاً من الحالات الفردية، إلى هروب ثنائي، أو جماعي، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه، فالأمر يحتاج إلى دراسة معمقة، والغريب كما أشارت بعض الدراسات التي أجريت عن حصر أعداد الهاربات، إلى أنهن كن يعيشن في أسر غير مشتتة، فأين الخلل؟

أضف إلى ذلك أيضًا محاولات بعض جمعيات المجتمع المدني في الخارج المتخصصة في كراهية كل ما هو سعودي والتي تسعى لتوظيف قضايانا المحلية، تحت شعارات زائفة، والترويج لحقوق غير موجودة إلا بالكلام التحريضي المتواصل ضد صغيرات غير مكتملات الوعي، والإدراك، بل واستدراج بعضهن، لتوظيف هروبهن، باعتباره –كذبًا- هروبًا من عنف يمارس ضدها في بلادها.

هذا التحريض تسبب في استدراج سعوديات إلى خارج حدود الوطن، وكانت النتيجة مأساوية، مثلما حدث الأسبوع الماضي، إذ أفادت بعض الصحف الغربية بأنَّ السلطات الأسترالية عثرت على جثتي شقيقتين شابتين كانتا هربتا من السعودية، في جنوب غرب سيدني، في ظل ظروف، وصفتها بالـ«مريية».

هذه النتيجة المحتومة لمن استرخص وطنه الغالي، وانطلق من دون وعي إلى طريق مجهول، تاركًا أذنيه لكلِّ من هبَّ ودبَّ من أعداء بلادنا، ليغرر بهن كيف يشاء، وهن لسن الهدف في ذاته، بل طريق للزج باسم السعودية ضمن الأخبار السلبية عن هروب الفتيات في الصحافة العالمية، مثلما فعلت بعض الصحف والوكالات الأجنبية ذات المهنية الرخيصة، وغيرها من المواقع الإلكترونية التي تناقلت الخبر، مستغلين الفرصة في محاولة فاشلة للانتقاص منا كسعوديين، أو من بلادنا، ناسين عن عمد أن القوانين داخل المملكة تحمي الجميع، والمرأة خصوصًا من أشكال العنف كافة، فإن كانت إحداهن، خرجت على شاشات فضائيات غربية، تدعي أنها تعاني العنف في بلادها، فهذا مردود عليها، وكان الأولى أن تذهب للشكوى في قضاء بلادها، بدلاً من ترويج افتراءات عن بلد، قد يشذ عدد من أفراده ويدعون ما ليس فينا.

وما أفردته الأخبار عن مقتل الفتاتين، أنهما «هربتا من المملكة عام 2017 عندما كانتا تبلغان من العمر 18 و19 عاماً»، تلك السن الخطرة التي يمكن استدراجها من خلال نوافذ مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولو تتبعنا قصص السعوديين الذين سافروا إلى الخارج، والتقوا بعضًا من الهاربات، الشاردات عن حماية عوائلهن، مستنجدات، لأنهن لا يجدن قوت يومهن، وخوفهن من العودة إلى قلب الوطن الرحيم، يمثل حاجزًا بينهن وبين سبل العودة. حكايات لا تنتهي عمن التقوا بهن ممن يقلن إنهن سعودية، وهن يبحثن عن أي عمل، ومن فرط عدم التصديق، يروي الحكاية باعتبار أنها مدعية انتماءها إلى وطننا المتسامح، لكن ما تلقيه الأنباء في وجوهنا من وقت لآخر، يقول إنَّ الأمر يحتاج التفاتاٍ قوياٍ، يبدأ من الأسرة، ومرورًا بكلّ الجهات التي تتعامل معها الفتاة، من مدرسة وجامعة، ومجتمع، وصولاً إلى مرحلة النجاة من الاستدراج.

في المقابل، نهمس في أذن الآباء والأمهات، بضرورة احتواء بناتهن والإصغاء إليهن، ومنحهن فرصة التعبير عن ذواتهن بكل الطرق الناعمة، التي تناسب فتياتنا داخل بيوتهن، وإشعارهن بحقوقهن في الحياة بحرية، وإرشادهن إلى الطرق القانونية للحصول على حقوقهن داخل المجتع، بالإضافة إلى ضرورة الالتفات إلى الوازع الديني، وتقويته لديهن، قبل أن تقع مصيبة الهروب، ووقتها لا ينفع الندم، اصغوا إليهن، وتفهموا حاجاتهن، وكونوا لهن الوجاء الذي يحتمين به من مخاطر التحريض الذي يلتف حولهن.

ونهمس أيضًا في أذن وزارة التعليم بأن تضمن مادة التفكير الناقد طرق حماية المراهقين والمراهقات من كل أفكار دخيلة ومغرضة، خاصة وأنهم في السن الخطرة، سواء داخل المملكة أو خارجها، وكذلك، نهمس في أذن بناتنا بأن الهروب قاس جدًا، إلى أين تفرين، إلى مجهول قد ينتهي بإزهاق روحك، انتبهي إلى نفسك، وما تسمعينه من محاولات تغرير، والجئي لأسرتك، أو معلمتك، أو قريبة من قريباتك، لتفشي إليها أسرارك، لترشدك إلى الطريق الصحيح، قبل فوات الأوان.

هروب الفتيات، سواء من مدينة إلى أخرى داخل المملكة، أو خارجها، حالات فردية ومحدودة جداً ولكنه يحتاج إلى يقظتنا وانتباهنا جميعًا، قبل أن يصبح ظاهرة في بلاد حفظت حقوق جميع من يعيش على أراضيها.