شاهد العالم الطريقة التي تحدّث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء قمة مجموعة السبعة G7 حيث ظهر المشهد بطريقة ارتجالية غير رسمية عندما لحق ماكرون ببايدن وقاطع حديثه مع مستشارة للأمن القومي، وقال إنه تحدّث إلى رئيس دولة الإمارات الذي أبلغه أن الإمارات والسعودية لا تملكان طاقة إنتاجية فائضة من النفط من أجل زيادة المعروض الذي لا يفي الآن بالطلب المتزايد خصوصاً مع العقوبات التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على روسيا.

لا أعتقد أن الرئيس الفرنسي بهذا المستوى من السذاجة ليتحدث عن موضوع اقتصادي يهمّ كلاً من أوروبا وأمريكا بهذه الطريقة أمام عدسات الكاميرات التي كانت مستعدة لالتقاط الحديث ونشره مباشرة.

في واقع الأمر، تلك العقوبات التي تفرضها أوروبا على روسيا لم تمنع بعض الدول الأوروبية من استيراد النفط والغاز الروسيين حتى تاريخه، حيث تفاوتت مواعيد التوقف النهائي بين الدول الأوروبية بدءًا من نهاية العام حتى نهاية 2023. كما أن حديث ماكرون الذي ظهر إلى الإعلام لم يكن صحيحاً فالسعودية والإمارات لديهما القدرة على ضخ المزيد من النفط لكنهما ملتزمتان بحصصهما السوقية وفقاً لاتفاق مجموعة «أوبك « الذي تم إقراره خلال فترة الجائحة وينتهي في شهر أغسطس المقبل. وعند الحديث عن السعودية وهي أكبر مصدّر للنفط في العالم وتقود تحالف «أوبك « فإنها تنتج حالياً 9.8 ملايين برميل يومياً بحسب اتفاقية المجموعة، غير أنها سبق لها أن أنتجت أكثر من 12 مليون برميل ولديها القدرة لإحلال التوازن في أسواق الطاقة متى ما توصلت «أوبك « إلى إيقاف العمل بالاتفاقية التي تلزم كل الدول بحدود قصوى لإنتاجها من أجل موازنة السوق في ظل حالة عدم اليقين التي تنتاب الاقتصادات نتيجة عوامل متعددة يصعب التكهن بها فهي سرعان ما تضرب بقوة وتدفع الطلب إلى مستوياته الدنيا.

إن فرنسا تلعب دوراً محورياً في استقرار الشرق الأوسط وهي لا تخفي تعاطفها مع النظام الإيراني وفي ظنّي أن هذا التصريح (الماكروني) أراد أن يحرج الرئيس الأمريكي من خلال تحريك الرأي العالمي من أجل عدم الاعتماد على السعودية والإمارات وبالتالي التساهل بشأن رفع العقوبات عن النظام الإيراني وإعادة ضخ النفط الإيراني للأسواق. حيث صرّح قبل شهرين وزير النفط الإيراني جواد أوجي بأن إيران يمكنها الوصول لكامل قدرتها الإنتاجية من النفط عند 3.8 ملايين برميل متى ما رفعت الولايات المتحدة العقوبات عنها.

تدرك فرنسا التأثير الكبير للقرار السعودي في اقتصادات العالم وأوروبا تحديداً وهي تحاول منذ اتفاقية باريس للمناخ خفض الاعتماد على الوقود التقليدي وسعت لشحذ التوافقات من أجل تجريم النفط والغاز من أجل دفع العالم لضخ المليارات في مجال الطاقة المتجددة وهو الجانب الذي تواجه فيه أوروبا مشكلتين أساسيتين هما موثوقية النظرية العلمية بشأن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بدرجتين مئويتين بنهاية القرن الجاري نتيجة تزايد معدلات ثاني أكسيد الكربون، وأيضاً فعالية بدائل الطاقة المتجددة بمقابل النفط والغاز والفحم. كما تجدر الإشارة أن تشغيل معامل الطاقة النووية واستخدام معادن الليثيوم في السيارات الكهربائية يواجه تحديا حقيقيا في وفرة معدني الثوريوم والليثيوم، حيث استنزفت إفريقيا بما فيه الكفاية وليس لديها القابلية على إمداد العالم بأكثر من 4 مليارات بطارية سيارة وغيرها للتخزين.

وعلى كل حال، اتفق قادة دول مجموعة السبعة على التزامهم بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن هذا لا يؤكد بأي حال أن إدارة الرئيس بايدن التي أفرجت عن المليارات قبل أكثر من عام لمصلحة النظام الإيراني لن تدعم الوصول لتسوية مرضية لإيران في موضوع الاتفاق النووي.

تأتي كل هذه الإرهاصات في وقت تكون مجموعة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلص« قد اجتمعت يومي الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع والتي يتوقع أن تستمر في ضخ 648 ألف برميل المقررة سلفاً على أن تناقش إمكانية مراجعة الحصص أو الانتهاء من الاتفاقية. وإن كنتُ أميل إلى أن هذا القرار سيكون أفضل بعد الانتهاء من زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة منتصف يوليو المقبل.

وبين هذا وذاك لا تزال أسعار النفط تتجاوز حاجز 110 دولارات للبرميل كمتوسط سعري في ظل مؤثرات لا تنبئ بانفراجه سريعة إلا أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من التنازلات والتسويات على صعيد تهدئة التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط ودعم الجهود العربية والخليجية من أجل إحلال السلام والرخاء في اليمن والعراق ولبنان وسورية وليبيا.