تردني وترد غيري من أهل العلم المكلفين بالإفتاء أسئلة من بعض الموظفين المبتعثين من جهاتهم الحكومية إلى المشاعر المقدسة ليقوموا بخدمة الحجاج، يقولون في أسئلتهم: نرغب الحج، ولم نحرم من الميقات، فماذا علينا؟

ونظرًا لأن السؤال يتكرر من البعض، رأيت أن أكتب هذا المقال، مضمنًا بعض إجاباتي لأولئك السائلين، رجاء أن ينفع الله به من يطلع عليه.

فأقول وبالله التوفيق: من حصل له الشرف بأن كُلِّف لخدمة الحجاج، فعليه أن يحمد الله تعالى، ويقوم بالعمل الذي كُلف به، وليس له أن يحج، لئلا ينشغل بالطواف والسعي وغيرهما من أعمال الحج، ويترك عمله، فإن هذا لايجوز، لأنه لم يُبتَعث ليحج، بل ابتُعث ليخدم الحجاج.

ولأن عمله وظروف الحج قد تحتاج إلى وجوده، فيكون غائبًا لانشغاله بأعمال الحج ومناسكه، فيحصل الضرر، وما يقوله البعض من أن رئيسه المباشر أذن له، أقول: أنتم ابتُعثتم لخدمة الحجاج، فاحمدوا الله على هذه النعمة، ولا حاجة لطلب الإذن لعملٍ لم تبتعثوا له.

وإني أُبشِّر من كُلِّف بخدمة الحجاج أنه على أجر عظيم، قد يفوق أجر الحاج، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب المفطرون بالأجر) لأنهم أفطروا، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، وخدموا إخوانهم الصائمين، فبسبب هذا العمل المتعدي النفع، فاقوا الصائمين بالأجر.

فالحاج إنما اقتصر على نفع نفسه، بينما من يخدم الحجاج نفعه متعد إلى غيره من الحجاج، كما أن الصائم نفعه لنفسه فقط، بينما من أفطر ليخدم إخوانه تعدى نفعه لغيره، فصار أعظم أجرًا. وفي الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( ذهب المفطرون بالأجر) فوائد كثير منها:

1 - أن عظم الأجر مرتبط بحسن العمل، وأنه كلما كان متعلقًا بنفع المسلمين، وخدمتهم، كان أعظم أجرًا.

2 - أن الصحابة الكرام أفطروا، وتفرغوا لخدمة إخوانهم الصائمين، دون تطلع أو استشراف لشيء من أمور الدنيا، فاستحقوا هذا الأجر العظيم، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (ذهب المفطرون بالأجر) واستحقوا هذا الثناء من النبي صلى الله عليه وسلم.

3 - من محاسن الإسلام أنه شامل لأمور الدين والدنيا، ويراعي حقوق الإنسان بل وحقوق الحيوان، ولذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتفوا بخدمة إخوانهم الصائمين، وإنما قاموا أيضًا بحقوق الحيوان، فسقوا الركاب أي الإبل.

وفي الختام: أُحب أن أوضح أن ما نبهت إليه ليس ظاهرة، بل حالات قليلة، والقلة لا تمنع من التنبيه، وأما الغالب والأكثر فهم بحمد الله متفرغون لخدمة الحجاج بكل تفانٍ واحتساب للأجر، وهذا أمر مُشاهَد للعيان، ويدعو للفخر والاعتزاز، زادهم الله توفيقًا.