عند حصول أي عارض صحي، فإن أول ما يتبادر للذهن هو ذهاب المريض إلى المستشفى لتبدأ إجراءات متسلسلة تبدأ بتسجيل دخول المريض في الاستقبال ومن ثم أخذ العلامات الحيوية يليها الانتظار لوقت قد لا يكون بالقصير لحين الدخول على الطبيب ليقوم بمراجعة الملف وأخذ التاريخ المرضي والفحص الإكلينيكي. بعد ذلك يتم توجيهه لعمل فحوصات أو أخذ الأدوية من الصيدلية أو بهما معا. تتكرر نفس الخطوات عند مراجعة الطبيب مرة أخرى لعرض النتائج وأحيانا بنفس التسلسل.

ولكن بفضل الله أصبح بالإمكان اختزال هذه السلسلة باستخدام التقنية وبدون الإخلال بجودة الرعاية الصحية.

فعن طريق استخدام التقنية يتمكن الطبيب من التواصل مع المريض وأخذ التاريخ المرضي ومن ثم تحديد التشخيص إن أمكن أو توجيهه التوجيه الأمثل مما قد يغنيه عن الذهاب للمستشفيات عند حصول أي عارض صحي وهو ما تم عمله بشكل رائع من خلال خدمة الاتصال بالرقم 937.

أما في حالة الحاجة لطبيب مختص، وهو ما يصعب توفره في جميع المستشفيات والمراكز الطبية، فبالإمكان فحص المريض عن بعد عبر اتصال فديو مباشر بشبكة مؤمنة، يسهم ذلك بمساعدة الفريق الطبي للوصول للتشخيص الدقيق بشكل أفضل وأسرع. كما يتيح اتخاذ القرار العلاجي بناء على المعطيات والفحص الإكلينيكي عن طريق الفديو بالإضافة للإطلاع على الفحوصات ورؤية الأشعة عن طريق الدخول لنظم المعلومات الصحية عن بعد.

ومجالات الطب الاتصالي تشمل معظم إن لم تكن جميع التخصصات الطبية، لكن سنسهب في الحديث عن تخصص المخ والأعصاب.

ففي الحالات الطارئة مثل الجلطات الدماغية فهي قد تحصل لأي شخص بأي مكان، ولكن لا يتوفر طبيب مختص في المخ والأعصاب في كل مستشفى لندرة التخصص خصوصا إذا كنا نتحدث عن مستشفيات صغيرة أو طرفية وهنا تكمن المشكلة، لكن من خلال الطب الافتراضي يستطيع الفريق المعالج بالمستشفى التواصل مع استشاري مختص بالمخ والأعصاب ويتم فحص المريض عن بعد والاطلاع على فحوصاته ونقاش حالته ومن ثم إعطاء القرار المناسب لإزالة الخثرة وهذا القرار لا يكون يسيرا بعدم وجود المختص.

فبحسب الاحصائيات، تحصل ما يقارب 18 ألف سكتة دماغية جديدة سنويا بالمملكة، لذلك وصول العلاج المناسب بالوقت المناسب والمكان المناسب يعتبر تحدي يحتاج لعمل مستمر يضاهي هذا الرقم بالإضافة زيادة في الأرقام المتوقعة للسكتات الدماغية بحلول 2030. ومن أبرز الأمثلة للتدخل الطارئ الحالات التي يتم علاجها بشكل مستمر من خلال مستشفى صحة الافتراضي حيث تم توظيف الكفاءات العالية والمهارات الإدارية للوصول لنتائج مبهرة.

أما في الحالات غير العاجلة، فيستطيع الطبيب المعالج متابعة المرضى بالعيادة الافتراضية وذلك قد يغني عن الحضور وتكبد عناء السفر خصوصا إذا كانت الحالة لا تستدعي حضور المراجع كإعادة صرف الأدوية أو وجود استفسارات من المريض يستطيع الطبيب الإجابة عليها دون حضوره.

فخلال جائحة كورونا، تم تفعيل الطب الاتصالي في كثير من مستشفيات المملكة، وكانت حلا بديلا لإغلاق العيادات وإلغاء المواعيد، ومن نتائجها الجيدة اقتناع بعض مقدمي العناية الطبية والمراجعين بأهمية استمرار العيادات الافتراضية ولو لجزء من المرضى حتى بعد عودة المياه لمجاريها وانحسار أرقام الإصابة اليومية.

فمن خلال استخدام الطب الافتراضي نستطيع تحسين جودة الحياة بعدد أكبر من المرضى.

فبعضهم يتغيب عن الحضور للعيادة بسبب صعوبة الوصول للمستشفى لأسباب عديدة كبعد مكان إقامته عن المستشفى أو عدم مقدرته على القيادة بسبب إعاقته أو كونه يعاني من حالة تمنعه من قيادة السيارة كحصول تشنجات غير متحكم بها. لذلك تفعيل الطب الاتصالي يجعلهم على صلة بأطبائهم وعدم الانقطاع وفي الغالب بفائدة مقاربة لحضورهم للمستشفيات.

لنأتي لرأي البعض ممن يعارض الطب الاتصالي لضرورة الفحص الاكلينيكي وهذا مبرر متفهم ومقبول، لكن عندما تكون هناك مراجعة روتينية فقد لا يحتاج الطبيب المعالج فيها لعمل الفحص السريري بشكل موسع مثلما الزيارة الأولى، أو لا يكون هناك حاجة لها كليا في المراجعات التالية.

وفي بعض الأوقات بالإمكان عمل الفحص عن طريق الفيديو كالاطلاع على لون الجلد أو مراقبة الرعشات والمشية لتقييم تحسن المرض على سبيل المثال. وفي حال استدعت الحالة لعمل الفحص السريري يطلب من المريض الحضور للمستشفى وبذلك ينتفي التوجس من عدم عمل الفحوصات السريرية.

أعتقد أن الطب الاتصالي سيسهم بشكل كبير في المجال الطبي خصوصا في المملكة العربية السعودية التي تتمتع باتصال انترنت سريع يغطي مساحاتها المترامية الأطراف. فالحاجة الإنسانية دائما تسبق الحلول وهذا ما حصل بالطب الافتراضي

ختاما، كثيرا ما سمعنا جملة "ما بعد الكورونا ليس كما قبله" وهذا باعتقادي يشمل القطاع الصحي أيضا.

فمن محاسن جائحة كورونا، إجبار القطاع الطبي في كثير من الدول للمضي قدما بتفعيل الطب الافتراضي بعد أن كان التردد باستخدامه سائدا بسبب الخوف من النتائج.

النتائج الحالية هي مجرد بداية، ومع التطوير المستمر، نستطيع الوصول للاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة والكفاءات الطبية والإدارية لتسهيل الحصول على الخدمات الصحية وتحسين جودتها وكفاءتها.

د. أنس محمد البراك

استشاري وأستاذ مساعد بطب المخ والأعصاب