قبل أيام، وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني، كانت عبارة عن استشارة طبية، السؤال رغم غرابته، إلا أنه مؤلم، سألني أب عن إمكانية إنجاب طفل أسمر رغم أنه أبيض البشرة، فكيف يكون ابنه!، يعني هذا أن الأب يساوره الشك بأن من يحمل اسمه ليس بابنه، الشك دون يقين كالسكين غير المسنون، ينحر ضحيته على مراحل حتى الموت، وعدم الفهم عادة هو الذي يورث الشك.

الإجابة بسيطة، يمكن لأي زوجين إنجاب طفل ليس بلون بشرتهما سواء أكانا يتشاركان لون البشرة أو يختلفان، وهذا يتعلق بطريقة وراثة لون البشرة أو الجينات، حتى قانون مندل الوراثي لم ينجح في تفسير ذلك، هناك جينات سائدة وأخرى متنحية، والسيادة تعني هيمنة هذه الصفة عن بقية الصفات، وعادة تكون جينات الأب هي المسيطرة رغم أننا نرث العدد ذاته من كلا الأبوين.

لون بشرة الأبناء كثير من الأحيان من الصعب التنبوء به لأن ما يحدده الكثير من الجينات وليس جيناً واحداً والعوامل البيئية كذلك لها تأثير، لون العينين رغم أن أكثر داكني البشرة يمتلكون عيوناً سوداء، إلا أن البعض تحدث لديه طفرة جينية مباركة فيصبح ذا عينين زرقاوين ساحرتين، هذا لا يعني أنه لا ينتمي إلى أبويه و عشيرته التي تؤويه، إنما هي طفرة ممكن أن تحدث في أي وقت.

أرجعني هذا السؤال إلى قضية طبية أثارها أحد الآباء حينما وجد أن فصيلة طفله O بينما فصيلة دم الأم A وفصيلة دمه B وأطفاله الآخرون فصيلة دمهم AB، وطفلة تحمل فصيلة دم أبيها وطفل فصيلة دمه لا تشبه أحداً، هذا لا ينفي النسب، وطبياً هذا ممكن أن يحدث، وأحد الاحتمالات الواردة، واختلاف فصائل الدم هو دليل قابل للاحتمال وليس دليل يقين لنفي النسب، بالطبع هناك وسائل أكثر دقة لإثبات النسب مثل فحص الحمض النووي DNA، ولكن الذين يجرون فحص الحمض النووي عادة يرغبون في إثبات النسب لا نفيه، وأولئك الذين لديهم حدس يريدون برهانا عليه دون إثارة ريبة يبحثون فيما تشابه واختلط ولا يُجزم بدقته.

الجينات ليست شكلاً فقط نتوارثه فإذا انتفى الشبه ولدت الشكوك، بل يرث الأبناء عن آبائهم، الاسم، الشكل، المال أو الفقر والمرض، وأشياء أخرى، من لم يحظ بها كلها سيحظى بأحدها لا محالة، الأمراض التي تتنقل في السلالة، يمكن إيقافها من خلال التلقيح المجهري واختيار الأجنة السليمة ( PGD )، حتى السلوك نتوارثه، فقد أثبتت الدراسات أن كثيراً من الصفات والسمات والسلوكيات البشرية بما فيها الحياة الاجتماعية تتأثر بالوراثة، فالجينات لها دور محوري في تحديد وتطور الشخصية، بالرغم من معرفتنا أن المحيط له دور كبير في التنشئة، ولكن ما يرثه الإنسان يبقى مؤثراً فيه، هناك قصص عديدة، منها قصة أليس وباولا الفتاتان التؤام، اللتان تم تبنيهما من قبل عائلتين مختلفتين في بلدين مختلفين، وبعد مرور 35 عاماً، حينما عرفت إحداهما أن لها تؤاماً، بحثت عنها والتقت بها، العجيب في الأمر أنهما وجدتا نفسيهما تعملان في المهنة نفسها ولديهما الهوايات والشغف نفسه، بالرغم من أنهما لم تتشاركا المحيط ذاته وكبرتا في بيئتين مختلفتين، وهذا يدل على أن السمات الشخصية تتوارث أيضاً، لو كنّا نستطيع انتقاء السمات الشخصية الجيدة كما الصفات الخَلقية الجيدة في أنابيب المختبرات لكان العالم بخير، ولكن من يعلم ربما يوماً نستطيع.