أحد أهم الأمور التي ابتدأت بها قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت في جدة، السبت الماضي، بمشاركة عربية أمريكية وبرئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ أنها ابتدأت واضعة من القيم بندا مهما ضمن أجندتها، وأنها ركزت على قيمة الدول المكتسبة من خلال هذه القيم، وأجمعت على أهمية العناية بالشباب والشابات في المنطقة من تلك المنطلقات القوية. حدث ذلك مع البداية اللافتة للأنظار نحو هذا المرتكز بقراءة آيات من القرآن الكريم تُليت في الافتتاح، وانتهاء بخاتمة كلمة سمو ولي العهد رئيس الوفد السعودي في القمة وممثل شباب الوطن وقائد طموحهم. وما تضمنته هذه الكلمة من توصيف شامل لأهم قضايا المنطقة والعالم في الوقت الراهن، ورؤية المملكة في التعامل معها وحلها.

لطالما كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خطاباته ولقاءاته الرسمية يشير باستمرار لأهمية الشباب في أوطانهم، وضرورة دعمهم وتسخير التنمية المنشودة في بلدانهم لأجل مستقبلهم ورفاهيتهم، وبعث الأمل الدائم في أنفسهم على أقل تقدير، وهو ما يعيشه بالفعل شباب وشابات الوطن في هذا الوطن العامر كحقيقة ملموسة لا مجرد أقوال بعيدة عن الواقع. ولأن إيمانه قوي بقوة الشباب وأثرهم في تنمية أوطانهم، وأن هذه القوة لا بد أن تقوم على أسس قوية وأصيلة وراسخة من الأصالة والهويات الخاصة والقيم الإسلامية التي تقوم عليها الأوطان العربية ويتميز بها النشء العربي عن غيره.

على اتساع واختلاف مفهوم «القيم» وتعدده من مكان لآخر، إلا أن كل مجتمع له ميزاته الخاصة التي يتفق عليها، ويتعايش معها ويحرص على عدم المساس بها، والأهم: هو ما تتجه له الدول المتحضرة باعتبارها لقيم الشعوب المختلفة شأنا خاصا بها، يحترم ويقدر الانسياق له داخل مجتمعاتهم، ولكن لا يقلل منه أو يعادي أو يفرض عليهم تغييرها من دول أخرى، كما لا ينبغي أن تفرض عليهم في المقابل القيم التي تعني الطرف الآخر.

لعل «الحرية» التي تقوم عليها كافة الأديان، وتجمع على أحقيتها كل المجتمعات، ويعيش بها كل الأفراد، ويتعدد فهمها من مجتمع لآخر مثال على إحدى أهم القيم التي على الدول بشكل خاص ورسمي أن تحترم اختلاف مفهومها وصورها؛ فالحجاب على سبيل المثال نوع من الحريات القيمية التي توجد لدى مجتمعاتنا، لكنه أمر خاص ويجنح للفردانية المطلقة، ومهما تعددت آراؤنا حوله معنى وشكلا وأهمية إلا أنه يعد شأنا خاصا لا يحق لأي دولة أخرى أن تتدخل بفرض رؤيتها الخاصة حوله داخل مجتمعاتنا ونطاقنا الحدودي. في المقابل فإن حرية تفترضها الدول الغربية متمثلة في المثلية الجنسية تعد شأنا خاصا بهم وبمجتمعاتهم وتشريعاتهم وليس لهم الحق في فرضها على سواهم من المجتمعات سواء بشكل ممنهج عبر قوى ناعمة داخلية وخارجية، أو من خلال تقارير ودراسات وحملات رسمية تحت غطاء الحريات بغض النظر بالطبع عن خروجه عن الفطرة السوية والتعاليم الدينية.

إن قيمة كل فرد تزداد بمقدار ما يملكه من قيم يؤمن بها، أيا كانت هذه القيم التي تعد شأنه الخاص وهويته التي تميزه عن غيره. ومجموع هؤلاء الأفراد يشكل أوطانا كاملة، متى ما كانت على ذات الثبات والقوة في إيمانها بقوتها الفردية، وهوياتها الخاصة، وأحقيتها في الثبات والدفاع عما تراه شؤونا بخاصة ستزداد قيمتها التي تكون في أفضل صورها إن كانت شعورا داخليا بالاستحقاق والقوة والمكانة التي لا تزعزعها هيمنة آخرين أو رؤاهم الخاصة.

هذه القيمة المكتسبة من الثبات على القيم من أهم الإشارات التي تطرق لها سمو ولي العهد، وأكد أن مستقبل شباب المنطقة العربية المشرق الذي ينبغي أن يتمكنوا فيه من تحقيق آمالهم هو من خلال القيم النبيلة التي نؤمن بها ونفتخر بها ولن نتخلى منها، وعلى العالم أن يحترمها كما نحترم قيمهم ومبادئهم.

الثبات على القيم والمبادئ واحترام حريات الآخرين من بين أمور لا تجيء في سلوك وحياة الشباب من تلقاء نفسها، بل هي أمور تكتسب مع التربية والتعليم والممارسة، وتعزيز هذه الهويات والفخر بها وتقديمها بصورة تحترم الذات والآخر. شعور الأهمية من القيمة التي يملكها الشاب تجاه نفسه ووطنه ومجتمعه، سيكون نتاجه تنمية بشرية تنهض عليها الأوطان، وأمانا يشعر به الشباب في أوطانهم وأنفسهم، والأمن والتنمية شعاران مهمان قامت عليه هذه القمة، لا يقل أهمية عن ارتباط القيمة الفردية والوطنية بما تملك من قيم ومبادئ.