من درَس العقيدة الصحيحة، عقيدة السلف الصالح، فإنه يعلم يقيناً أن الشريعة الإسلامية جاءت بالبيعة لولي الأمر، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقول: من خلع يدا من طاعة، لقي اللَّه يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية). رواه مسلم.

ويعلم كذلك أن من مقتضيات البيعة: عدم منازعة الأمر أهله، لأن ولي الأمر حُمِّل أعباء الولاية والقرارات وإدارة الدولة، بينما حُمِّل الرعية: السمع والطاعة بالمعروف، ففي الحديث الصحيح (عليهم ما حُمّلوا، وعليكُم ما حُمّلتُم).

هذه عقيدة نتقرب إلى الله بها، وليست أفكاراً ونظريات قابلة للأخذ والرد.

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث: (وألا ننازع الأمر أهله): يعني لا ننازع ولاة الأمور ما ولاهم الله علينا، لنأخذ الإمرة منهم، فإن هذه المنازعة توجب شرًّا كثيرًا، وفتنًا عظيمة، وتفرقًا بين المسلمين، ولم يُدمِّر الأمة الإسلامية إلا هذا، أعني: منازعة الأمر أهله، فمن عهد عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا ما أفسد الناس إلا منازعة الأمر أهله. أ . هـ.

وعليه: فليس لأحد كائنا من كان أن يأخذ دور الدولة في قراراتها وسياستها وتكليفاتها، فضلا عن مناوئتها ومنازعتها، لأن ذلك أمر محرم في الشريعة، ولأنه يسبب الفرقة والفتن.

وقد دلت النصوص الشرعية أن لولي الأمر أن يُكلّف من شاء، ويُعفي من شاء، وفق ما يراه من مصلحة، وليس لأحد من الرعية مناوءته ومنازعته والإثارة عليه، لكن الجهال والمشاغبين لا يعقلون.

إن طاعة ولاة الأمور ليست خاصة فيما يرضاه كل إنسان، وما تنشط نفسه له، ويتيسر عليه، بل هي عامة أيضا فيما كرهه الإنسان، وما تعسر عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه -رضي الله عنهم- على أن لا ينازعوا الأمر -أي الحكم - أهله، وأهله هم الحكام، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأَثَرَةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله.... ).

قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: فقوله (في عسرنا ويسرنا) يعني سواء أكنا معسرين بالمال أو موسرين، يجب علينا جميعًا أغنيائنا وفقرائنا أن نطيع ولاة أمورنا ونسمع لهم، وكذلك في (منشطنا ومكرهنا )، يعني سواء أكنا كارهين لذلك لكونهم أمروا بما لا نهواه ولا نريده، أو كنا نشيطين في ذلك لكونهم أمروا بما يلائمنا ويوافقنا، المهم أن نسمع ونطيع في كل حال، إلا في معصية الله، (وأثَرَةٍ علينا) أثرة يعني: استئثارًا علينا، يعني لو كان ولاة الأمر يستأثرون على الرعية بالمال أو غيره مما يرفهون به أنفسهم، ويحرمون من ولاهم الله عليهم، فإنه يجب علينا السمع والطاعة...نقول: سمعاً وطاعة لله رب العالمين ولو كان لكم استئثار علينا، ولو كنا نحن لا نسكن إلا الأكواخ ولا نفترش إلا الخَلَق من الفرش، وأنتم تسكنون القصور، وتتمتعون بأفضل الفرش، لا يهمنا هذا، لأن هذا كله متاع الدنيا... أما نحن فعلينا السمع والطاعة ولو وجدنا من يستأثر علينا من ولاة الأمور. أ.هـ.

إنه لا يليق بالمسلم أن يكون كالمنافقين الذين إن أُعطوا رضوا، وإن لم يُعطَوا إذا هم يسخطون ويُشاغبون ويُهيِّجون.

فالبيعة الشرعية: ليست عقد معاوضة، وإنما هي كما تقدم عقيدة يلتزم بها المسلم.

إن أهل الأهواء: هم الذين يتعاملون مع ولاة الأمور وفق قاعدة: (إن أعطانا رضينا، وإن لم يُعْطِنا ما نهواه نابذناه)، وهم بهذا المسلك مخالفون للكتاب والسنة.

إذا عُلم ذلك: فإنه لا يُلتفت لمشاغبات المشاغبين أياً كانوا على قرارات الدولة، لأن تلك المشاغبة والمنازعة تدل على جهل في العقيدة، وسفهٍ في العقل.

لا سيما أن كثيرا من المشاغبين قوم بُهْت، فمشاغباتهم مع مخالفتها لمقتضى البيعة لولي الأمر، التي تقتضي عدم المنازعة، وعدم التهييج والإثارة، فهي كذلك مبنية على الكذب، والفجور في الخصومة، والمناكفات السياسية والحزبية والتي تُغلَّف أحياناً بغطاء الدين، وأحيانا بغطاء الحقوق والإصلاح.

والواقع أن الدين الذي جاء بالعقيدة الصحيحة وبالإصلاح ومراعاة الحقوق، براء من مشاغباتهم، لأنه يأمر بضد مشاغباتهم، يأمر بالسكينة، وعدم منازعة الأمر أهله.