تعرف المقاهي بأنها أنيسة الناس وإليها تهوى أمزجتهم، يجدون في هدوئها ملاذًا أمانًا ومفرًا من صخب الحياة وضغوطات العمل اليومية، فمن خلالها يمارس الكثير من الناس هواياتهم سواء القراءة أو التأمل، أو حتى الالتقاء بالأصدقاء، وقد يذهب البعض لارتياد المقاهي لإنجاز بقية أعمالهم في أجواء هادئة ومريحة تساعد على التفكير والتركيز، كما أنها أيضا مكان مناسب للطلاب للمذاكرة وإنجاز تكاليفهم الدراسية، هكذا عرفت المقاهي في كل بقاع العالم، فلا يمكن أن تذكر كلمة مقهى وإلا ويرادف معناها الأجواء الهادئة والمريحة.

غير أن بعض المقاهي لدينا للأسف خرجت تمامًا عن ذلك المفهوم، فأصبحت أشبه بحفلة فنية صاخبة، من خلال رفع أصوات الأغاني أو حتى التلفاز الموجود في المقهى، لدرجة الضوضاء وإزعاج الموجودين، فهذه الممارسة تفقد المقاهي أهم خاصية عرفت عنها، بل أضحت بيئة طاردة لكثير من المرتادين.

فلا يمكن للقارئ أن يمعن في كتاب، أو الصديق يتحدث لصديقه أو الموظف أو الطالب ينجز مهامه في تلك الأجواء الصاخبة، حتى العاملين في المقهى تجدهم يعانون كثيرًا في سماع طلبات العملاء أو التحدث فيما بينهم، نظرًا لحالة الصخب العالية.

بل حتى من يرتاد المقاهي لإراحة الذهن والتأمل، فإن الصوت المرتفع كفيل بإخراج مساحة الهدوء من ذهنه، وذلك ما يفقدها أبرز وأهم سمة تتميز بها وعرفت عنها، فلا يمكن أن تحول تلك الأماكن الهادئة إلى مصدر ضوضاء لكل من يقطنها، بل حتى عشاق الموسيقى لا يتلذذون بها، خصوصًا أن رغبتهم بها ليس مكانها المقاهي، وقد يمتد في أحيان ذلك الصخب إلى المحلات المجاورة لأي مقهى تحت ذريعة ان الموسيقى الصاخبة قد تجذب الزبون.

لذا يجب على القائمين على تلك المقاهي معرفة خصائص جمهورهم المستهدف، فالمقاهي ليست كلها أمسيات فنية أو حفلات غنائية أو منطقة لائقة للبث التليفزيوني المباشر.

راحة العميل ورضاه هي الممكن الأساسي لنجاح أي مشروع تجاري، وإذا كان أصحاب المقاهي يريدون محاكاة نماذج «المقاهي» العالمية، وأنا هنا أقول مقهى وليس ملهى، فيجب أن تكون المحاكاة بواقعية، في الخارج المقاهي غالبًا ما تضع الموسيقى بشكل محدود وبطريقة مريحة للإذن، والأهم من ذلك ألا تمثل عنصر تشويش داخل العملية الاتصالية بالمقهى.

إن المطالبة بمراعاة هذا الجانب جاءت نتيجة الانتشار الملحوظ والملفت للمقاهي خصوصا وأنها باتت بديلة لكثير من الفئات عن جلسات المنزل أو الملاحق والاستراحات لمختلف الشرائح العمرية، فاليوم مرتادو تلك المقاهي باتوا يمثلون الشرائح كافة دون اقتصارها على شريحة دون الأخرى، وهو ما يجعلنا نطالب بتوفير مناخ ملائم ومريح للمرتادين، فالكثرة في المقاهي من المفترض أن يقابلها تنوع في الأجواء لتستوعب كافة الفئات.

لذا يقول محمود درويش «إن القهوة هي هذا الصمت الصباحي الباكر المتأني والوحيد الذى تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل وعزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء».