طالت عمليات مكافحة الفساد غالبية الجهات الحكومية من الناحية المالية، لوقف هدر المال العام واستعادته ممن استباحه، لكن الأوقاف تبقى جزءا من منظومة ينبغي على هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، فتح ملفاتها القديمة والحديثة.

وفيما يتعلق بالأوقاف تبرز أمور عديدة، أولها أنه لا بد من خضوع الوقف لمحاسب قانوني مستقل، يتغير كل سنة تحسبا لأي فساد وتضييقا على كل مفسد، وثانيا لا بد من مراجعة لاحقة وسابقة على كل ناظر وقف حالي وسابق، لرؤية من منهم زادت ثروته بشكل مفاجئ وليس لها أي مبرر نظامي، وحاليا فإن الأوقاف الكبيرة والصغيرة، والتي مبالغها أكثر من 200 مليون إلى 50 مليونا، وفقا للائحة أعمال النظارة للأوقاف تخضع لتدقيق محاسبين قانونيين معتمدين من الهيئات المختصة، في حين أن الأوقاف الصغيرة من 50 مليونا وما دون، لا تخضع لذلك وهذه ثغرة قانونية ينبغي معالجتها.

وكذلك فإنه للقضاء على الفساد في الأوقاف - إن وجد - فإن أتمتة كافة أعمال الأوقاف وقوائمها المالية، وجعلها إلكترونية لا ورقية، هي مسألة مهمة ويتوقع فعاليتها بشكل كبير، بل متاحة للعامة للاطلاع لتوضيح فوائد الأوقاف.

كما أنه ينبغي ملاحظة أن بعض نظار الأوقاف قد تكون لهم توجهات، تخالف توجهات الدولة كدعم الأحزاب السياسية الإسلامية، بعلم أو بدون علم، وقد يستخدم الوقف لنشر ودعم تلك الأفكار ولو بشكل ناعم، لذلك ينبغي تسليط الضوء على أي حوالة خارجية أو مبالغ نقدية مكثفة يتم تسليمها لأي جهة، أو أن يتم تزوير مستندات لها لتضليل العدالة وغسل الأموال، وعليه فإن مستوى الإفصاح والشفافية والرقابة على الأوقاف ينبغي أن يصل لنفس مستوى الشركات العامة المطروحة في سوق الأسهم، حيث قوائمها المالية منشورة ومشاهدة للجميع، لأن الأوقاف لها فوائد عديدة ودون نشر وإعلان للقوائم المالية للأوقاف، فإنها قد تصبح فضاء واسعا لمن أراد الفساد، ولعل من أوجه فساد الأوقاف الحديثة هي جريمة التهرب الضريبي أو الزكوي عبر الأوقاف.

ومعلوم أنه من أهم المواد القانونية التي سنت بشأن الأوقاف، ما ورد في لائحة أعمال النظارة المادة العاشرة الفقرة العاشرة وتنص على «إبلاغ الإدارة العامة للتحريات المالية برئاسة أمن الدولة فوراً عند الاشتباه، أو إذا توافرت لديه أسباب معقولة للاشتباه، في أن الأموال التابعة للوقف أو بعضها تمثل متحصلات جريمة، أو ارتباطها أو علاقتها بعمليات غسل الأموال أو تمويل إرهاب، أو في أنها سوف تستخدم في تلك العمليات بما في ذلك محاولات إجراء مثل هذه العمليات»

ونجد في هذه المادة وفقرتها كل ما يتعلق بعمليات متابعة الأوقاف، كمثال احترام الخصوصية بين المحامي وعميله وسرية البلاغات، وكل هذه الفوائد القانونية عالجت نوازل الأوقاف في العصر الحديث، ولعل هذا جانب من فوائد التقنين الزاخرة.

كما أن الأوقاف الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بحاجة لذمة مالية وشخصية اعتبارية مستقلة، وأسهل طريق لهذا هي الشركات الوقفية بحيث يجبر القانون على ناظري الأوقاف بإنشاء الشركات الوقفية، وينطبق عليها ما ينطبق على الشركات من الرسوم وغيرها، وبحيث يكون التوظيف فيها حسب قانون العمل، وهكذا بحيث تنظم الساحة الوقفية وتستفيد الأوقاف خلالها من التمويل، وغيره من الأدوات للتطوير في الأعمال الوقفية وعلى ناحية أخرى فهناك أوقاف مهجورة، ينبغي العناية بها واستثمارها استثمارا صحيحا، وكل هذه التصحيحات النظامية المقترحة سوف تجعل البيئة الوقفية بيئة أعمال جادة، تطور من حولها وتتطور هي نفسها.

إن الأوقاف جزء مهم لا يتجزأ من الاقتصاد، ولهذا فإن التقدم التشريعي وسن قوانين ضابطة لكل نواحي الأوقاف، هو أمر هام ولا شك أنه موضع اهتمام كبير من قبل الهيئة العامة للأوقاف، وهي الهيئة المناط بها توفير بيئة صحية لنمو الأوقاف، بما يخدم المصلحة العامة ويحمي مقدرات الوطن وثرواته.