رغم تراجع مهنة "السقاية" لعشرات السنين في المملكة، إلا أن مواسم الحج والعمرة تعيدها، وذلك في ظل تمسك الكثيرين بها، واعتبار ممارستها شرفا يضيف لهم علو المكانة، لكونها تعتمد على خدمة ضيوف الرحمن، حيث كانت هذه المهنة من الموروث الذي يفتخر به أهل الحجاز، ويتتبع "الساقي" حركة الحجاج وأماكن تواجدهم ليقدم لهم مياه الشرب الباردة المجانية.

وهذه المهنة شاعت مؤخرا في عموم المدن والمحافظات التي يمر بها الحاج، خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث اشتهرت هاتان المدينتان بهذه المهنة، نظراً لتوافد الحجاج والزوار عليها على مدار العام.

ويلفت نظر القادم للمنطقة المركزية بالمدينة المنورة الشاحنات التي تجوب الشوارع والطرق المؤدية للحرم النبوي الشريف وتوزع حافظات المياه الكبيرة في الممرات والطرق، بالإضافة إلى تعهدهم بمتابعة الحافظات التي يوفرها أصحاب المحلات التجارية، وتزويدها بالمياه الباردة ومياه زمزم.

"الوطن" التقت محمد علي أمين الذي يتولى قيادة حافظات المياه الباردة، ويقول "رغم أني أعمل لدى أحد المحسنين الذي تطوع بتأمين المياه الباردة لمواقع كثيرة يرتادها الحجاج بالمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة غير أنني أستشعر قيمة العمل الذي أؤديه، وهو خدمة الحجاج والزائرين "ضيوف الرحمن"، وتوفير المياه المبردة لهم".

وأضاف أنه يجهز الحافظات على شاحنته، وعددها 120 حافظة مياه كبيرة، ويملؤها بالماء البارد، ويقوم بجولة في الصباح، ويستبدل الحافظات التي انخفض فيها مستوى برودة المياه، والفارغة بأخرى جديدة، كما يمر على أصحاب المحلات الذين يوفرون حافظات للمياه أمام محلاتهم، ويعبئها بماء بارد جديد"، مشيرا إلى أنه يعبئها من حافظات جديدة يحضرها معه.

وقال أمين إنه يعيد الجولة أيضا في المساء من كل يوم، وإن عمله يستمر طوال العام، لكنه يزيد خلال موسم الحج.

وأشار الباحث الشريف محمد الحارثي إن "سقاية الحاج والمعتمر مهنة جليلة، وممارسة حجازية عريقة، وهي مما يتباهى به أهل الحجاز عبر تاريخهم، ويعود تاريخ السقيا إلى ما قبل الإسلام".

وأضاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة المكرمة، فكبر ثلاثاً ثم قال "لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم ومال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت".

وأشار الحارثي إلى أن سقاية الحجاج استمرت عبر التاريخ، وظلت في العهد السعودي، وأن المطوفين وطالبو الخير مازالوا يتنافسون لتلبية احتياجات ضيوف الرحمن، وعلى رأس ما يقدمونه لهم المياه المبردة، سواء المياه العادية، أو مياه زمزم، وأضاف أن المؤسس الملك عبدالعزيز حفظ المهنة لأصحابها من المطوفين والسقائين.

وقال الباحث الحارثي "إن من آخر القبائل التي تولت خدمة سقيا الحجاج والمعتمرين آل الريس، وقد انتهت خدمتهم عام 1400، وآخر من تولى مشيخة السقاية هو محمد عباس محمد رضوان الريس المتوفى عام 1412. وانحصرت مهمة السقيا في العصر الحديث في "مكتب الزمازمة الموحد" الذي أنشئ بأمر ملكي يضمن توارث المهنة واستمرارها في خدمة "سقيا" ضيوف الرحمن الذين يسقون الحجاج وزوار المسجد النبوي من ماء زمزم ويوصلونه إلى مساكنهم.