على الرغم من أن للموقع قيمته المتغيرة تبعاً لتغير العلاقات الدولية والظروف السياسية المختلفة، وما يتصل بذلك من تغيير جذري وتطور مستمر في تكنولوجيات الإستراتيجية والقوة والتنافس الدولي؛ إلا أن هناك مواقع جغرافية ما زالت تتمتع بقيمة سياسية وإستراتيجية بالغة، بحكم قوة العلاقات المكانية والوظيفية التي ترتبط بها، ومن تلك المواقع الحساسة دولياً؛ المضايق المائية التي تمثل نقاط عبور دولي ومراكز بؤرية في تيسير عملية الاتصال والنقل البحري.

تمتع مواقع طرق المرور الدولية والمضايق البحرية بمكانة إستراتيجية مستمرة، يجعلها تشكل مراكز استقطاب دولي واهتمام دبلوماسي وإستراتيجي، لأن الأهمية الإستراتيجية لتلك المواقع لا تكمن في نقطة معينة، بقدر ما تشمل المنطقة العامة التي تمتد على طول الممر المائي، لأن التحكم في البحار يعني التحكم في القواعد البحرية الإستراتيجية التي تسيطر على مواقع المرور فيه.

يمثل البحر الأحمر مسطحاً مائياً ضيقاً يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ما بين خطي عرض12-30 شمالا -خط الاستواء-، ويمتد من عند باب المندب جنوباً وحتى السويس شمالاً، وما بين درجتي طول 30-31 عند خليج السويس شرقاً، إلى 45 درجة شرقاً عند عدن، فيعزل بذلك الشواطئ الآسيوية في شبه الجزيرة العربية ممثلة في المملكة العربية السعودية والأردن وفلسطين واليمن في الجزء الشرقي منه، عن الشواطئ الإفريقية ممثلة في مصر والسودان وإرتريا وجيبوتي والصومال إلى الجهة الغربية منه بمساحة تقدر بحوالي 438.000كلم2.

ينشطر البحر الأحمر في جزئه الشمالي إلى شطرين، وذلك عند رأس محمد الواقعة في نهاية المثلث الجنوبي لشبه جزيرة سيناء، وتصل مسافة الجزء الذي يمثل أحدهما مدخل خليج العقبة 15 كلم ما بين رأس العضمة على الشاطئ السعودي ورأس نصراني على الشاطئ المقابل له في شبه جزيرة سيناء، حيث يوجد على خليج العقبة أربعة موانئ عربية هي: ميناء حقل السعودي، وميناء العقبة الأردني وميناء "أم الراشدين" الفلسطيني والذي تحول إلى ميناء "إيلات" بعد الاحتلال الصهيوني، وميناء مرسى ذهب المصري.

يعترض مدخل خليج العقبة جزيرتا "تيران وصنافير" وبعض الجزر الصغيرة المتناثرة التي تشكل موقعاً حاكماً من مدخل الخليج، ومن هنا اكتسبت أهميتها الإستراتيجية، ويعتبر مضيق تيران الواقع بين جزيرة تيران وشبه جزيرة سيناء هو المضيق الوحيد الصالح للملاحة ولا يتجاوز عرض المضيق 6كلم، في حين لا يتجاوز الممر المائي الصالح للملاحة عرض 1.5كلم، بسبب انتشار العوائق الصخرية وتعرضه للرياح والتيارات البحرية القوية، بينما تتعذر الملاحة ما بين المضيق الأول والثاني الواقعين بين الشاطئ السعودي وجزيرتي صنافير وتيران، ثم ما بين الجزيرتين بسبب ضحالة المياه وامتلائها بالشعاب والصخور المرجانية التي تحول دون تمكين السفن من الدخول إلى خليج العقبة عبرها.

وتبعاً لطبيعة منهج سياسة المملكة البناءة وحرصها على حفظ أمن منطقة البحر الأحمر والعمل على تنسيق السياسات ما بين دوله العربية وتوطيد أواصر العلاقات المشتركة والتعاون لمصلحة دول المنطقة، فقد أعطت المملكة العربية السعودية لمصر جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين "بصفة مؤقتة" لأهمية موقعهما الإستراتيجي ودورهما في التحكم في ملاحة خليج العقبة، وذلك بموجب اتفاق شفهي في عام 1950، ليتسنى لمصر مراقبة الملاحة في خليج العقبة والتحكم في الملاحة فيه خاصة بعد استيلاء إسرائيل على ميناء أم رشراش المطل على خليج العقبة، بما يعني تهديدا أمنيا لدول المنطقة، واعترافاً بأهمية دور المملكة وجهودها في حفظ أمن منطق البحر الأحمر فقد اختيرت لتكون مقراً للمنظمة الإقليمية لحماية البحر الأحمر، وذلك بحكم تبنيها سياسات خارجية معتدلة، ولما تتمتع به من استقلالية وقوة في إمكاناتها الاقتصادية.

استرجاع جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية في مؤتمر جدة الأخير وخروج القوات الأمريكية منها، يعد إنجازاً دبلوماسياً كبيراً، وفيه تأكيد لما تتمتع به المملكة من مكانة دولية وقدرة على تعزيز مصالحها وحفظ سيادتها وقوتها الإقليمية لصالح جميع دول المنطقة، ولعل طول فترة إعارة الجزيرتين للدولة الشقيقة مصر جعل البعض يشكك في استحقاق سيادتهما، خاصة أننا لا نناقش ذلك كثيراً في إعلامنا ولا نهتم بنشر ما يتعلق حولهما من حقائق ووثائق تؤكد السيادة السعودية رغم طول فترة الإعارة، ومن جهة أخرى فإن مناهجنا التعليمية لم تتطرق هي الأخرى لذلك في بعض من موضوعاتها ومقرراتها ذات الصلة حتى في المراحل المتقدمة.

ما يناقش حول تيران وصنافير يشير لأهمية تناولها إعلامياً بما تستحقه من تحقيقات ورصد لتاريخها ولأهميتها الجغرافية، بالإضافة إلى أهمية تضمين مناهجنا التعليمية المختصة بالكثير من الحقائق والمعلومات التي تتعلق بوطننا بصفة عامة، لتوثيقها في ذاكرة الأجيال ليعرفوا امتداد أراضي الوطن ومستحقاته، وليتعلموا ويدركوا طبيعة سياساتنا الخارجية والإقليمية، وما ترتكز عليه من قيم اجتماعية ودينية واعتبارات إقليمية ودولية جعلها تتميز في علاقاتها الخارجية بما عزز من وزنها وثقلها الدولي.