إخلاء مسؤولية: هذه المقالة ليست لمن يجهل أساليب الكتابة!

لماذا نحتاج كليات تربية في مؤسسات التعليم العالي؟! فالأمر ليس كما لو أنها سوف تقلل من الجريمة أو تعالج المرضى في المشافي، فهي لا تساعد القضاة في المحاكم، ولا المهندسين في بناء المجمعات الضخمة! مسؤوليتهم فقط تدور حول تخريج من سيعمل مع جيل لا يقدم أي عائد مادي للدولة لفترة اثنا عشرة سنة؛ بمعنى جيل ليس من مسؤوليتنا حتى يبلغ الثامنة عشرة من عمره ويبدأ بالبحث عن وظيفة!

ثم ما هذه التخصصات التي تقوم عليها هذه الكليات؟! تقويم تربوي، أصول تربية، علم نفس نمو، مناهج وطرق تدريس، تربية خاصة، وغيرها من التخصصات التي أكل عليها الدهر وشرب! حقًّا ماذا سنستفيد من هؤلاء المتخصصين من الأساتذة، فهم حتى لا ينفعون كمستشارين في وزارة التعليم كبقية التخصصات مثل الادارة بجميع تفرعاتها؛ التخصصات التي تستطيع أن تستلم زمام الأمور وتدير دفة «التربية» والتعليم، فهم أدرى وأحق وأعلم.

دعونا نقُرّب الصورة لبعض التخصصات التربوية: نبدأ بالتقويم التربوي؛ اختبارات؟! أي خريج غير تربوي يستطيع أن يبني اختبار موضوعي شامل يتمكن من خلاله أن يقيس نقاط الضعف ونقاط القوة عند الطلبة والتلاميذ! علم نفس نمو؟! أي خريج يستطيع أن يحلل لنا احتياجات التلاميذ والطلبة النفسية ومتطلبات المرحلة العمرية وكيفية التعامل معها!

مناهج؟! نستطيع أن ننسخ مناهج الغرب ونقوم ببعض التغييرات البسيطة «وهوبا» أصبح لدينا منهج حديث! أو نقلص ونختزل، فالمناهج مليئة بالحشو الذي ليس له حاجة في الحياة؛ فمثًلا ليس من الضروري معرفة كيفية كتابة جملة مفيدة، فنحن لسنا بحاجة إلى شعراء أو أدباء! كما أنه من المعروف عنهم أنهم شخصيات عاطفية غير مستقرة، وعليه لا نريد أن نخلق جيل عاطفي غير مستقر، لذا لنقل «لا للغة العربية... لا لكان وأخواتها وخالاتها وعماتها»!

نتحدث بالعامية فلم لا نكتب بالعامية؟! ولنفتخر بأن الكثير من شبابنا بلابل بالعامية خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأي ضغوط إضافية تحت حجة «لغتنا الفصحى إرثنا وهويتنا»، سوف تؤثر على سيل عبارات التنمر البليغة ووصلات الردح المحترمة التي يتحفنا بها عند كل «هاشتاق أو ترند».

دراسات الاجتماعية! لماذا نُدرّس التاريخ والفضائيات، الغربية خاصة، تمدنا بأفلام عالمية ذات جودة عالية عن تاريخ العالم؟! لا يهم إن كانت تزور وتشوه أو تعمل على كي الوعي الجمعي، المهم أنها مسلية وتوصل المعلومة بطريقة سلسلة ومسلية وفوق هذا وذاك تنمي لدى الطلبة اللغة الإنجليزية! ولماذا نهتم بالاحتباس الحراري أو نلتفت إلى حماية البيئة؟! ألا يكفينا هم حرارة الصيف الملتهبة؟ ولتنقرض جميع الحيوانات التي ليست على سلم غذائنا!

طرق التدريس! أي خريج غير تربوي يستطيع أن يحلل الدروس ويبني خطط دراسية يومية وأسبوعية وفصلية! كما يستطيع أن يخدم جميع أنواع التعلم التي تمر عليه في مادته - وأي مادة إضافية تسند إليه- وبالتأكيد يدرك أهمية تتدرج عرض المعلومة لتصل إلى كل طالب ليتمكن من أن يكتسبها، فهو يعرف تمامًا الفرق بين تعلم واكتساب المعلومة.

وسائل تعليمية! التلاميذ يفهمون المعلومة وهي طائرة في الهواء، فكيف إذا عرضت وبالألوان؟! و«اليوتوب» يحوي الكثير منها، وما على خريج الكليات الأخرى سوى أن يختار وينفذ؛ لمن هي وكيف ومتى وأين يجب أن تستخدم؟ لا يهم، بما أنها قد نفعت مع الغير سوف تنفع مع تلاميذه.

تقنيات التعليم؟! أجيال تخرج من بطون أمهاتها وبيدها أجهزة إلكترونية، بمعنى جاهزة ولا تحتاج إلى تقديمات! كلا، لا تنصتوا للتعريفات التي يتحفنا بها متخصصي التربية، فهي مجرد عبارات تم صياغتها من قبلهم ليجعلونا - نحن العامة- نظن بأن ما يقومون به هو أكثر من تشغيل واستخدام أجهزة إلكترونية! بالمختصر؛ أحضر الجهاز إلى الفصل، أكبس زر التشغيل وأعرض... عملية سهلة لا تحتاج كل هذه التعقيدات!

اقتصاد منزلي؟! منازلنا لا تخلو من الخدم، فلما نضيق على بناتنا و ندربهم على ما لن ينفعهم في مستقبلهم المهني؟! ثم هذا يعتبر ضد رؤى ومتطلبات التمدن والتحضر وخارج مسارات وتطلعات المنظمات النسوية! علاوة على ذلك فمن المعروف أن هذا التخصص محوره الأسرة، والتوجه العالمي الحديث هو نحو الفردية! أما الأسرة فقد تم تجاوز الفطرة واقتحمت تعريفات جديدة: مذكر ومذكر، مؤنث ومؤنث، ومن يدري قد يصلوا إلى أب «افتراضي» وأم «روبوت»!

لنوفر على أنفسنا المال والوقت والمجهود ونغلق كليات التربية أو أضعف الإيمان نضيق عليها ونقلصها، فهي لا تخرج لنا سوى التربويين، ولم نحتاجهم؟! فمن جهة لدينا التلفاز و «الأيباد» و«الإنترنت»، ومن جهة أخرى قادرون على تكليف غيرهم بالقيام بنفس المهمة دون تأهيل تربوي!

إن وصلتم معي إلى هنا فقد أدركتم بالتأكيد بأن نتائج كليات التربية يغذي جميع التخصصات والمهن الأخرى، وهي الضمان الأساسي لتمسكنا بإرثنا وتقاليدنا وتاريخنا وأخلاقياتنا حيث يتم من خلالها تأهيل من سيقوم بوضع المناهج ويقومها ويطورها ومن سينفذها؛ المناهج التي تمثلنا وتضمن تقدمنا ومواكبتنا للعالم الاقتصادي والتقني الحديث دون أي تنازلات أو تشويه، الكليات التي إن لم نعطيها حقها من الأولوية بالاهتمام، أضعنا المربي وأضعنا المتربي!