احتكمت حياة كثير من الناس خلال السنوات الأخيرة إلى ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ بخاصة في ما يعرض أو يقدم من يعرف بفئة «المؤثرين» أو «المشاهير»، حتى أصبحت ظاهرة ملحوظة أن يحاول بعض من فئات المجتمع- خصوصاً المراهقون- أن تصبح حياتها أو جزءا منها شبيها بما يراه خلف الأجهزة الذكية سواء كانت حقيقة أو وهما. لم يتوقف هذا التأثير بطبيعة الحال على السلوك الاجتماعي، والتأثير النفسي، والتوجهات الفردية؛ بل امتد ليشمل الجانب الاقتصادي لحياة الأفراد والأسر من خلال استخدام هؤلاء المشاهير لمنصات التواصل الاجتماعي، وتسهيلها لانتشار أفكارهم وبدء أعمال تجارية خاصة بهم من خلال الإعلان لمنتجات يقتنع عادة بها متابعوهم لا لاقتناعهم بالمنتج ذاته؛ بل تأثرا بإيمانهم بالمُعلن وتوجهاته وأساليب إقناعه ورأيه، وكم مستهلك اكتشف بعد اقتناعه بمنتج ما رداءة ما حصل عليه من خلال ذلك الإعلان وافتقاده أبسط معايير الجودة والسلامة.

وبعيدا عن الظواهر النفسية والاجتماعية التي توصل لها مؤخرا، باحثون وعلماء حول ما يسمى: «متلازمة عبادة المشاهير» وعن مدى تأثيرهم في حياة بعض الأفراد؛ فإن استيعاب مؤسسات الدولة الرسمية بضرورة تنظيم ظهور المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي وضمان الأبعاد الأخلاقية والقانونية أمر مهم حتى لا تصبح فضاءات الإنترنت مساحات للابتذال والعبث الأخلاقي والجرائم المعلوماتية، ويتمثل هذا في الأدوار التي تقوم بها هيئات رسمية كهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع في وضع ضوابط وأنظمة للمحتوى الإعلامي الرقمي، وما طالبا به مؤخرا لمنصة «يوتيوب» بإيقاف الإعلانات المخالفة لتلك الضوابط كان دليلا على قوة تلك الأنظمة ونفاذها محليا وعالميا.

استحداث هيئة الإعلام المرئي والمسموع، الأحد الماضي، لرخصة تقديم المحتوى الإعلاني «موثوق» يعد من أهم التنظيمات التي ستؤطر العمل الإعلاني لمشاهير منصات التواصل الاجتماعي، ويستطيع أن يضمن الأفراد من خلالها جودة ما يقدم من إعلان، وتطابقه مع المواصفات والمقاييس المعتمدة محليا، وضمان حقوقه المالية كأي عملية بيع وشراء على أرض الواقع. وهي عملية في ذات الوقت ستحد من جنون الشهرة والانتشار التي أصبحت هوسا للبعض يهتم به على حساب القيم والأخلاق والأفراد الآخرين.

من خلال التقديم على هذه الرخصة سيكون المشهور ملزما بضوابط المحتوى الإعلاني الرقمي والتصنيفات العمرية، وبهذا ستتحقق حماية للأطفال الذين يستغل ذووهم ظهورهم في وسائل التواصل لتحقيق عوائد مالية وشخصية، فضلا عن تقديم إعلانات واقعية ومضمونة.

وبما أن عدد المتابعين أو المشاهدات هو المحك الأساس في عملية الشهرة والانتشار؛ فلعل هيئة الإعلام المرئي والمسموع وهي تقدم هذه الرخصة لمشاهير التواصل الاجتماعي أن تراعي التفاوت بين المعلنين من المشاهير وفقا لهذا المعيار، وأن تكون قيمة الرخصة تتوافق طرديا مع عدد المشاهدات، والمتابعين، وقيمة الإعلان، وطبيعته.

إن زوال هالة الكمال والتأثير المطلق الذي يستخدمه كثير من المشاهير، واستخدام أساليب إقناع المتابع لهم من خلال جعل المنتج الذي يعلن عنه نمط حياة واقعي بغض النظر عن جودته ومضمونه، هو برأيي من أهم ما سيتحقق من خلال استحداث رخصة (موثوق)، والتي يعود بها كثير من المشاهير لأرض الواقع ومراعاة القوانين والأنظمة التي تفرض على جميع الأفراد في المملكة من مواطنيها داخلها أو خارجها أو على المقيمين فيها، وهو ما قد يكون سببا في توقف جنون البحث عن الشهرة، وما يحدث خلالها من اختراق للخصوصيات، وانتشار للتفاهة، واختلال للمعايير، وسيادة السطحية وقلة الجودة في ما يُباع ويشترى ويقدم من خلال هذه المنصات.