كتبت في مقال سابق بعنوان (حلاوة وذباب) عن دور المجتمع في رسم صورة المرأة في ذهنية الرجل، بل ووضعها في الإطار الذي يرتضيه هذا المجتمع، وضمان استمرارية تأطير صورة المرأة في الأجيال الذكورية المتلاحقة عن طريق الترسيخ لهذه الصورة ودعمها تعليميا ومعرفيا، وهي صورة تتسم بالضعف وتستمرئ السلطوية وتحبذها.
هذه الصورة تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر الرجل بوصفه أسّ هذا المجتمع الذكوري وقوامه، فتتوفر له بهذه الطريقه الكثير من المزايا التي لا يشقى ولا يجهد في الحصول عليها.
موضوع آخر وعنوان كبير يتكرر في كتب الطالبات مفاده (كيف تسعدين زوجك؟)، فيبدأ مع الفتاة منذ مراحل عمرية متقدمة وعلى مقاعدها الدراسية، وتسهب في شرحه المعلمات وتتوسع (كل وحدة وضميرها)، ويستمر هذا العنوان معها، تنمو وينمو بمختلف أبعاده في مخيلتها كامرأة، حتى يتصدر واجهات المواقع الإلكترونية الخاصة بها، وتجهد في تفسيره كل فئات النساء، ويدرسن بإسهاب الأمور التي قد تسعد الزوج، مبحرة أثناء ذلك في بحور من التخمينات، لا لأن الزوج من كوكب آخر ولا يمكن الرجوع له وسؤاله أو اكتشاف ما يسعده؛ بل لكيلا تفقد عليه زوجته عنصر الدهشة والمفاجأة، مستميتة وباذلة في سبيل إسعاده كل غال ونفيس، حتى تصل إلى المجازفة بحياتها من أجل نظرة تسعده كما تظن (وقد تكون مخطئة)، لتحقق وصية جدتها الأعرابية القديمة، بأن تتفقد موضع عينه وأنفه وبطنه وموضع نومه وحراسة ماله وعياله.. إلى آخر الوصية المأثورة، بينما لم يصلنا ولم ندرس عن أي أعرابي أوصى ابنه ليلة زواجه بمثل هذه الوصايا أو قريب منها، وكأنها رسالة ضمنية مفادها أن إسعاد الزوج والتفاني في ذلك مسؤوليتك أيتها المرأة سواء أسعدك زوجك أم لا، وسواء كان يستحق أم لا، فأي إخفاق أو تقصير في جانب الزوج، سواء كان في محيط الأسرة أو حتى على صعيد العمل، فسيكون سببه أنه إنسان غير سعيد، وأنك السبب في شقائه أو عدم سعادته لأنك لم تتعلمي أساليب وطرق فن إسعاد الزوج ولم تعرفي (كيف تسعدين زوجك) فلومي نفسك على تقصيرك قبل أن تلومي زوجك. وبالتالي ستكونين إحدى النساء اللواتي انطلت عليهن حيلة المجتمع الذكوري، فأصبحت حياتك بلا معنى، سوى كونها مسخّرة لإسعاد زوج قد تكون سعادته أصلا، في البعد عنك أو استبدالك بأخرى.