الإرهاب.. آفة العصر وسوس الشر الذي ينخر عاج أمن الدول والمجتمعات الثمين، حتى يصل إلى عصب مأمنها واستقرارها.

الإرهاب بمعناه الأكثر وضوحا هو الأفعال الشرسة التي تستخدم العنف لخدمة أغراض مختلفة، قد تكون أهدافا سياسية أو عقائدية أو مذهبية أو اجتماعية، أفعال دمار وقتل وترويع تستهدف أكبر عدد من الضحايا الذين قد يكون لهم علاقة مباشرة بالأهداف الإرهابية، وقد لا يكون لهم ارتباط بها أصلا، ولكنه إرهاب استهدف ضحاياه من أجل إحداث تصدعات تهز كيان الأمن وتحدث فيه فوضى تسهل للأجندات الإرهابية تحقيق أهدافها.

رغم أن كل أشكال الإرهاب بشعة إلا أن الإرهاب الفكري الذي يزرع بذور شره في العقول أكثرها قبحا وبشاعة، لأنه ببساطة الأكثر خطراً.. فهذا النوع يصوب أسلحته المخفية نحو العقول مستخدما طرقا جاذبة بعيدة عن ملامح الإرهاب الواضحة ليكسب الثقة، ثم يتمكن من السيطرة، خبث أساليبهم المستخدمة قد ينقاد لها الفرد بسهولة محفوفة بمباركة الأهل أحيانا، لأنها طرق لبست ثوب القبول المجتمعي.

هذه الطرق تواكب ظروف الأزمان وتحدث نفسها بتحديثات المجتمع، فمثلا قبل سنوات سبقت عصر الإنترنت.. كان الفكر المتطرف في المجتمع السعودي يحاول السيطرة على العقول من باب التطرف الديني، الذي يبدأ بتعريف نفسه من خلال الجاذبية الدينية السمحة، التي تلعب على العاطفة بالرغبة في صلاح الأبناء والتي كانت بطاقة الدخول للمستهدف وأهله والمجتمع ككل، حيث كان بعض المراكز الصيفية وأنشطة المساجد وأشرطة الوعظ، والغلو والتخويف وسد منافذ الاستمتاع المباح بالحياة من باب سد الذرائع التي تجر المجتمع إلى الهاوية..! كانت هي للأسف مصائد العقول.

ومع ظهور النت ومنتدياته، ومع ضعف الرقابة على مستخدميه لحداثة ولادته في المجتمعات.. أصبح الوصول إلى الغايات أيسر، فما أسهل أن يطرح البعض موضوعا أو فكرة صيغت بعناية لتحمل الهدف المستتر المغلف بغلاف براق من سبل ثأثير فاخر

ومع التحديث لعالم التكنولوجيا الرقمية وشبكات التواصل بمنصاته المختلفة، ومع تضييق الخناق الأمني على سكان هذا العالم الرقمي الافتراضي.. أصبح للصوص العقول أبواب عبور أكثر تحايلا وأشد فتكاً.. حيث أصبح الهدف طويل المدى الغرض منه سرقة عقول الصغار لزرع بذور الإرهاب في عقول أجيال قادمة هي أمل المجتمعات..

ما دفعني لكتابه هذا المقال هو مقطع توعوي شاهدته على حساب رئاسة أمن الدولة بعنوان «خلك قريب.. لا يكون الشر أقرب».

حقيقة، هو مقطع قصير جدا ولكنه مؤثر إلى درجة الرعب الذي انتابني كأم على محتوى الألعاب التي يتسلى بها أولادنا.. والتي أجهل أنا تفاصيل تقنياتها وما تحمله بين طيات حركات شخصياتها، وتلك الرسائل المستترة بين صداقات – الأونلاين – المربوطة بلعبة لا تستهويني كأم لأندمج مع ابني بها في تسلية رقابية.. ولا تغريه هو ليضمني إلى قائمة صداقات ترفيهه الرقمي لاعتبارات مختلفة منها الاجتماعية ومنها تلك المسافة بين جيلي وجيله..!

فما الحل إذاً..؟ وكيف نستطيع نحن كأهل في بيوتنا الصغيرة أن نكون عوناً للوطن وجهاته الأمنية في مكافحة الإرهاب من خلال سد منافذ دخوله إلى عقول صغارنا الذين نعقد على نواصيهم بعد الله آمالنا وأهدافنا كوطن ومجتمع؟

من وجهة نظري المتواضعة.. أعتقد أن أول حواجز الحماية هي أن ندرك أننا نعيش مرحلة تباينات فكرية.. بمعنى أننا يجب أن نعي أن نسبة كبيرة من جيل الأهل المؤثرين هم جيل تأثر بالصحوة وأنه ما زال يحمل أفكارها.. وأن كثيرا منهم وإن كان مسالما بطبعه إلا أن عقله الباطن يقاوم التغير، فالفكر يحفر في القناعة حفرا تصعب إزالتها.. لذلك علينا أن نقاوم الإرهاب الفكري بنفس سلاحه.. الذي هو استهداف العقول الصغيرة بحماية فكرية ترفض الإرهاب.. وربما يكون دور المدارس هنا أقوى من الأسرة لأنها تجمع داخل فصولها تلاميذ من بيئات مختلفة وأسراً ذات أنماط فكرية متباينة.. لو استطعنا من خلال الثأثير الجمعي في عقول النشء بحيث ترفد قناعاتهم بعضها البعض فإننا هنا سنختصر مسافة الزمن بالثأثير الإيجابي المحارب للإرهاب.

من خلال الفصول الدراسية أيضا.. نستطيع بعون الله أن نزرع بذور الوطنية فعلا وعطاء في نفوس أطفالنا من خلال المشاركة بما هو أكثر من احتفال باليوم الوطني كاحتفال سنوي.. فحب الوطن لا بد أن يسقى بما يعزز قيمة العطاء له منذ الصغر من خلال برامج وفعاليات على مدار الأسبوع والشهر والعام.

أيضا يجب ألا ننسى المقيم الذي ولد بيننا أو أتى سعيا وراء لقمة عيش جعلته يشاركنا مقاعد الدراسة.. هنا يجب أن نعمل على تغذية قيمة الولاء لهذه الأرض التي كبر عليها وتعلم فيها.. فلا ينقلب ضدها مثل البعض ممن خان قيمة الوفاء.

من أساليب الثأثير أيضا.. ترغيب الأطفال والشباب بحب الدنيا.. وتعزيز «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» أكثر من «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»ن التي تربى عليها جيل كامل جعلته يزهد بالحياة ويستعجل نعيم الآخرة حتى لو كان ذلك بقتل نفسه تنفيذا لعمليات إرهابية أقنعته بما ليس صحيحا، وجعلت من باطل قتل النفس حقاً!

الترفيه والسياحة وأبواب التسلية المدروسة بعناية من قبل الجهات المسؤولة أصبحت في السعودية تنافس بها غيرها.. فحبذا لو بدأنا بالتحول في بيوتنا الصغيرة من الترفيه والتسلية الفردية نتيجة العزلة التي تتأرجح بين استراحات الأب وصديقات الأم و- شلة الأبناء- إلى التسلية العائلية التي تجمع الأسرة خارج المنزل أو داخله، وبالتالي تكون هناك رقابة طبيعية، وملء وقت فراغ بما لا يسمح للشر أن يتسلل من بين تصدعاته.