في بعض الأحيان تتفاجأ وتتعجب، وربما لن تجد إجابة مقنعة..!

قبل فترة كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء الإعلاميين عن جودة الحياة والرياض الخضراء، وقلت له أتمنى أن تكون زراعة الأشجار أمام البيوت شيئًا إلزاميًا من البلديات، أو على الأقل يبدأ تشجيعيًا ويصبح إلزاميًا في فترة لاحقًا، وأتمنى الاستفادة من المياه الرمادية لزيادة التشجير، سواء البيوت أو على مستوى المدينة، إلى الآن يبدو الموضوع طبيعيًا، خصوصًا أننا كتبنا العديد من المقالات منذ سنين عديدة عن تحويل الرياض الخضراء، وكيف كانت الرياض الرمادية، وكنت مسندًا للبلديات في كل ما يرفع جودة الحياة، ولكن تفاجأت مؤخرًا!

هذا مجرد مدخل بسيط لموضوع أهم وأعم، يعلم الجميع أن مستقبل البلد يعتمد على الرؤية وأن من أهم مستهدفات الرؤية هي جودة الحياة، بل جوهر الرؤية التي وضعها سمو ولي العهد أن يحسن ويطور جودة الحياة للمواطن ولكل من يعيش على أرض هذه البلد.

الآن تصور معي الموقف في عز الصيف ودرجات الحرارة الشديدة، والتي تعلن بعض الدول حالات الطوارئ لو وصلت إلى جزء منها، ومع ذلك يتوقع البعض منك أن تدخل فيما يشبه الفرن وهو السيارة تحت أشعة الشمس المباشرة!

الموضوع أعمق من هذا، لكن سأبدأ بهذا المثال البسيط لتوضيح الفكرة، أعلنت البلديات أنها ستزيل كل مظلات السيارات أمام البيوت، في كل الشوارع سواء الشارع فسيح عريض لا يهم، هل يتوقعون البلديات مثلا أن دخول الشخص للسيارة في درجات الحرارة القياسية تحت أشعة الشمس المباشرة يتواءم مع هدف رفع جودة الحياة؟ الموضوع ليس موضوع مظلات فقط بل هو بعض الأنظمة في بعض الإدارات التي تتعاكس مع روح الرؤية وجوهرها، وهو جودة الحياة، وهذا مثال واحد.

كيف سنتقدم بالرؤية وبعض القرارات تبدو مختلفة عن روح الرؤية، الرؤية ليست شعارًا، بل أفعال تدل عليها وتساندها، يحدثني أحد الأشخاص أنه دخل سيارته التي كانت تحت أشعة الشمس المباشرة، ومن شدة الحر داخ واستفرغ، درجات الحرارة التي تسجل في المنطقة تعتبر من الأعلى عالميًا، ولولا لطف الله ثم تعود أجسادنا على ارتفاع درجات الحرارة لحدثت آلاف الوفيات، كما يحدث في بعض دول العالم، ولولا أشق على الناس لطالبت الناس بإلزامية لبس النظارات الواقية وتعتيم الزجاج ومستحضرات الوقاية من الشمس؛ لأن أثر أشعة الشمس المباشرة على (دي إن إيه) البشري قد يكون مدمرًا، وتوقعت من البلديات كمثال أن هي من تنصح وتقترح بعمل المظلات من أجل رفع جودة الحياة بدل المطالبة بإزالتها.

مقالنا ليس بخصوص المظلات، ولكن الآن نأتي إلى زبدة المقال، أعتقد وبقوة أن أي نظام في أي دائرة حكومية يعاكس ولا يتسق مع روح الرؤية وجوهرها ومستهدفاتها يعدل ويحسن لكي يتلاءم مع روح الرؤية وأهدافها بأي قطاع كان، بلديات أو مرور أو شرطة أو تجارة أو تعليم.. إلخ، لكن الأهم أن تبادر القطاعات الحكومية من نفسها وتراجع أنظمتها وقوانينها وتعدل وتحسن فيها لكي تتسق مع روح رؤية سمو ولي العهد وجوهرها.

وأتمنى من كل مسؤول في البلد أنه قبل أن يتخذ أي قرار أن يسأل نفسه هذا السؤال (هل هذا القرار يتماشى مع روح الرؤية؟ لأن الهدف الأسمى للرؤية هو راحة المواطن وتحسين حياته ورفع جودة الحياة ومواكبة تطورات العصر، (بالمختصر سمو ولي العهد يريد يعز الإنسان ويرفه مستواه المعيشي)، على المسؤول أن يتناسى البيروقراطية وقوله (أنه كذا كان النظام)، الرؤية أتت وعدلت وحسنت أنظمة الدولة كاملة بل هي ثورة تنظيمية لكسر البيروقراطية، أتمنى فعلا من كل مسؤول أن يستفيد من هذه الثورة في الأنظمة والتشريعات في الوطن، وأن يعدل ويحسن أنظمة إدارته لكي تخدم الإنسان وينسى موضوع (هذا ما تعودنا عليه من المسؤولين السابقين).

أتمنى أن تقوم الأدوات الحكومية تلقائيًا بتعديل أنظمتها مع العصر، سأعطيكم عدة أمثلة أيضا للتوضيح، الآن يوجد ثورة القيادة الذاتية في السيارات مثل سيارة تسلا، وغيرها وهذا مسموح فيه في عدة دول في العالم، لو أردت أن أقود سيارة بالرياض مثلا بالقيادة الذاتية فهذا سيتعاكس مع أنظمة المرور حاليًا مثلا هو عدم التركيز بالقيادة؟، خلال السنوات البسيطة القادمة سينتشر التاكسي الطائر هل جهزنا أنظمتنا له، في الصحة الآن بعد دخول الجيل الخامس من الشبكات بدأ ينتشر إجراء العمليات الجراحية عن بعد بالروبوت (تيلي سورجري)؛ لأن الشبكات أصبحت أسرع، ولا يوجد تأخير يؤثر في الروبوتات في العمليات، لو أجرى العملية طبيب في بلد (أوروبا -أمريكا) والمريض مثلا في الرياض، كيف ستكون الأنظمة والتراخيص، إذن القوانين تحتاج مراجعة تلقائية دورية لتتلاءم مع جوهر الرؤية الذي هو جودة الحياة والتطور والتقدم، وأن نكون سباقين على مستوى العالم ومبادرين وأركز على كلمة (مبادرين)، فإذا أردت أن تكون في المراكز الأولى في تقدم العالم فيجب المبادرة والتحسين المستمر، وهذا من أهم مستهدفات الرؤية أن نقود العالم والبشرية للتطور.

نرجع لمثالنا المبسط السابق (المظلات)، لكن يمكنكم تطبيق ما سبق على أي قطاع آخر يختص بخدمة الناس، سواء أنظمة مرور أو تجارة أو نقل.. إلخ، لا أعلم الموظف الذي اتخذ قرار إزالة المظلات كمثال، لكن هل هو عايش معنا وشايف الوضع، توقعت أن الموضوع مجرد تنظيم ووضع ضوابط مثل عرض الشوارع والتصاميم.. إلخ، وليس إزالة بوسط الصيف وتأثير على جودة الحياة، صحيح أن الشوارع ملك وتحت تصرف البلديات، لكن الهدف إضافة تجربة جميلة للمواطن ومساعدته في هذه الظروف، وليس هذا تعديًا مقصودًا على حرم الشارع بقدر ما هو مواءمة للظروف البيئية للبلد.

وعندما سألت عن وزير الشؤون البلدية من يعرفه، فقيل لي إن إنسانًا منطقيًا أتى من القطاع الخاص وعقليته مرنة، فليس محبًا للبيروقراطية، وأعتقد أنه أبعد نظرًا، وبطبيعة الحال فإنه يبحث عما يرفع جودة الحياة ومستهدفات الرؤية.

أتمنى الآن من كل مسؤول في الدولة في كل قطاع أن يراجع قوانينة الداخلية تلقائيًا، ويقوم بتحسينها حتى تصبح الرؤية تجربة متكاملة شاملة لتحسين جودة الحياة في الوطن.