إذا أردت بناء أمة فأنشئ مدرسة، ولذلك اهتم فطاحلة الاقتصاد مثل آدم شميث وألفرد مارشال بالتعليم وأثر مخرجاته على الاقتصاد اهتماما كثيراً. إن علم اقتصاد التعليم علم معقد مركب؛ لأن تكلفته تقاس ابتداء ونتائجه تقاس لاحقاً بطرق مختلفة وأدوات عدة. وتقول اقتصاديات التعليم إن كل دولار يتم إنفاقه على التعليم فإنه يعود على الاقتصاد الوطني بـ 7 - 10 دولارات لمدة 15-20 سنة بعد الإنفاق، إذاً فهناك علاقة طردية بين جودة التعليم ونمو الدخل.

ولأن لغة الأرقام لا تكذب؛ نجد أن متوسط الإنفاق العالمي على التعليم يبلغ 4.4 % من الناتج المحلي عالميا، وأعلى دولة من حيث نسبة الإنفاق هي كوبا فهي الرائدة في الإنفاق على التعليم بنسبة 12 % من الناتج المحلي، علما بأن قطاعها الطبي جيد جداً وأظهرت أزمة كورونا ذلك.

ولو أردنا أن نتكلم عن نسبة الإنفاق على التعليم لوجدنا أن 13 دولة من أصل أكثر من 15 دولة في العالم إنفاقا على التعليم هي دول نامية أو متخلفة، فلماذا لم تنفعهم نسبة الإنفاق المرتفع في تحسين جودة التعليم؟ قد يكون الجواب لأن هناك مثلثاً تعليميا أضلاعه الطالب والمعلم والمناهج؛ فالإنفاق لا بد أن يكون متوافقاً مع العناية بجودة مدخلات التعليم من خلال هذا المثلث حتى نحصل على جودة في مخرجات التعليم، و هي كلها مرتبطة بصانع القرار الذي يستطيع أن يحسن مخرجات التعليم بشكل كبير.

ففي أمريكا قام باحث بدراسة أثر التعليم على الناتج المحلي أواسط القرن الماضي فاكتشف أن نوعية وجودة التعليم رفعت الناتج المحلي بنسبة 21 % خلال سنوات. وأجريت دراسة أخرى على 50 دولة لمدة 40 سنة وخلصت إلى أن الدول التي استثمرت في التعليم جيداً (وأقول جيداً) زادت نسبة الناتج المحلي لديها بأكثر من 2 % عن غيرها من الدول.

فدولة غانا مثلاً اهتمت بالتعليم من خلال الإنفاق على مناهج وسياسات تعليمية ولذا ارتفع الناتج المحلي لديها ووصل إلى قرابة 14 % في 2011، وظل متأرجحاً صعوداً ونزولاً إلى 8 %، وانخفضت نسبة البطالة لديها من 11 % إلى 2 %.

وعليه نعود إلى بلدنا فهو المهم لدينا، ونريد تشريحا للموضوع بشكل مختصر لأجل اقتصاد التعليم لدينا؛ إذ تنفق السعودية في 2022 ما نسبته 19.4 % من حجم الإنفاق الحكومي على التعليم -علما بأن متوسط الإنفاق الحكومي هو 13.8 % عالميا.

لقد أنفقت السعودية أكثر من 2000 مليار على التعليم في عشر سنوات فهل ما تم صرفه يتوافق مع المخرجات؟ شخصياً لا أعتقد ذلك لأسباب عدة منها نمطية التعليم، بطء التغيير في المناهج، عدم التوافق بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل حالياً، والنظر للتخصصات مستقبلاً، (يجب أن تكون المخرجات تنظر لما بعد 20-30 سنة من تخرج الطالب من المرحلة الثانوية).