يحكى أن مجرما نفذ جريمة قتل في أوروبا وهرب إلى أمريكا، ظنا منه أن كوابيس جريمته لن تلاحقه هناك. عاش حياة أخرى في أمريكا، ولكن قلبه كان يعتصر كل يوم، وكأنه يعيد تلك الجريمة كل مرة، حتى استسلم لقلبه، وسلم نفسه للسلطات وأقر بجريمته وموقعها وكيف نفذها، وأودع السجن سنوات، وبعد خروجه لم يتخلص من ذلك الهم الذي يثقل صدره كل يوم. بدأ في رحلة عذاب للجسد حتى ينشغل بآلام الجسد عن آلام النفس، ولم تفلح تلك الحيل، حتى أتى يوم وقابل شخصا ما، شكا له ما يحدث معه، فرد عليه الشخص ببساطة شديدة: «أنت لم تقتل، من قتل هو جسد آخر غير جسدك اليوم»، وأكمل: هل بشرتك هذه هي نفسها التي قتلت بها، أم أن الجلد تتجدد خلاياه على مدار الوقت، يذهب الجلد ويأتي غيره؟ هل خلايا دماغك هي نفسها التي ارتبكت بها تلك الجريمة، هل تصدق أنه حتى خلايا القلب تتبدل، كل شيء فيك تقريبا تغير، ليس الجسد نفسه الذي ارتبكت به الجريمة. انتهى حديثه، وكانت هذه الكلمات كافية لإيقاف معاناة القاتل، إذ استأنف حياته شعر أنه شخص آخر.

ما أريد قوله إن العلم الحديث أثبت هذه النظرية فعليا، وقبل العلم الحديث كان سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- لا يعاقب من دخل الإسلام على ما فعله قبل الإسلام، بل إن بعضا من الصحابة قد كان في جيش المشركين قبل أيام، محاربا للإسلام، وبمجرد نطقه الشهادة تمت معاملته وكأنه ولد مسلما، بل ومع الوقت أصبح صحابيا، فهل هذا ما نتعامل به مع بعضنا البعض.

حينما نعامل شخصا على ما اقترفه ولو من وقت قريب، فهل تبادر إلى أذهاننا أنه لم يعد الشخص نفسه بيولوجيا، هل حينما تمر بنا أزمات نلوم فيها أنفسنا ونرهقها بكثرة اللوم حتى أننا نتوقف عن المضي قدما، فهل تبادر إلى أذهاننا أن أجسادنا قد تغيرت؟ فكيف لا تتغير معها حياتنا ونستمر في التفاؤل والعطاء.

البشر في أغلب الأحوال يتذكرون السلبيات أكثر من الإيجابيات، ولكن هل فكرنا أن كل شيء قابل للتغيير، هل من الممكن أن نسامِح ونسامَح لأجل السبب ذاته، فإن بدأنا مع ما حولنا من مشاكل وآلام بهذه العقلية، فهل من المتوقع أن حياتنا ستكون أجمل أم أسوأ؟ حينما تنشب بيننا وبين الآخر مشكلة كان مقدورا على حلها فورا، ولكننا تركناها كجرح نازف يكبر يوما بعد يوم، حتى أقنعنا تفكيرنا أنه لا يمكن الرجوع لعلاقتنا السابقة بذلك الشخص، فهل من الممكن أن يكون هذا حلا مبسطا للأمر، وهل من الممكن أن نتجاهل أمثالنا التي لقنتنا إياها مسلسلاتنا مثل «أبو طبيع ما يجوز عن طبعه»؟ وهل من الممكن أنه وقبل أن نتعامل مع شخص ما سبق وكونا عنه صورة نمطية سلبية، أن نقول لأنفسنا: إذا كان «أنا لم أعد أنا» فمن الطبيعي أنك «أنت لم تعد أنت».