قبل التخرج تنظم بعض الجامعات حفل تخرج لطلابها بحضور أولياء الأمور الذين يشاركون أبناءهم الفرحة في قطف ثمار جهد السنوات التي قضوها في أروقة الجامعة. الطلبة يكونون على استعداد لخوض تجارب جديدة في حياتهم، منهم من يحالفه الحظ ويتوجه لسوق العمل وآخرون يحاولون الاستمرار في الدراسة لنيل شهادات عليا، البعض يبقى منتظرا فرصة وظيفة حكومية، هذا حال السواد الأعظم من الطلبة في مجتمعنا. هذا ليس لب مقالنا، فالهدف الأساس هو التركيز على ما يحتاجه الطلبة من جرعة لمواجهة الحياة، فهم يحتاجون لخطاب ملهم من شخصيات مؤثرة في المجتمع لها تاريخها الاقتصادي أو السياسي أو الريادي أو الاجتماعي، بعيدا عن العلوم المعرفية التي قد تصور للطالب أن الحياة عبارة عن سجاد أحمر محفوف بالورود وبلا أي تحديات.

الطلبة قبل التخرج يريدون خطابات مليئة بخبرات وتراكمات لأشخاص ملهمين وصلوا للمجد وواجهوا العقبات والتحديات والنكسات، حتى حققوا أهدافهم، يريدون أشخاصا يبعدون عنهم مفهوم الإحباط الذي قد يصيب البعض منهم عند أول منعطف في حياته، يريدون أشخاصا خرجوا من ركام اليأس والكسل وبنوا لهم طرقا للنجاح، ووضعوا قواعد التميز في جميع المجالات.

الخطاب الملهم له حضوره في الجامعات العريقة أثناء التخرج، لما لمسوا فيه من حقنة تحفيزية مانعة لصدى للانهزامية النفسية، ملهمة لتفجير طاقات واعدة في الشباب الذين سيكونون محفزين لمن بعدهم.

في عام 1922م ألقى نابليون هيل الكاتب الأمريكي الذي اشتهر بكتبه التي تهتم بالتنمية البشرية ويعرف خصوصاً بكتابه «فكر تصبح غنياً» الذي أصبح عند إصداره من أكثر الكتب مبيعاً وشعبية، خطابا في حفل التخرج بعنوان «نهاية قوس قزح»، وكان من أكثر الخطابات تأثيرا في الطلبة بعد ذلك في مسيرة حياتهم.

أيضا خطاب ستيف جوبز وهو إحدى أيقونات الابتكار التكنولوجي في العالم، لخريجي جامعة ستانفورد عام 2005 والذي أصبح الأكثر مشاهدة في التاريخ، إذ تجاوزت مشاهدته أكثر من 45 مليونا. يضم خطابه ثلاث قصص من حياته، الأولى يروي فيها حكاية تخليه عن الجامعة، والثانية عن الدروس التي تعلمها بعد طرده من قبل شركة «آبل» عام 1985، وأخيراً انطباعاته عن الموت.

وكان من الأشخاص المؤثرين على مستوى العالم أيضا خطاب مضيفة البرامج الحوارية والمنتجة التلفزيونية أوبرا وينفري، في جامعة هارفارد عام 2013 بعنوان «الفشل هو مجرد أن الحياة تحاول أن تدفعنا في اتجاه آخر»، كانت تحكي بعض القصص التي عاشتها في طفولتها. على الجانب السياسي خطاب أوباما، في جامعة هوارد 2016 بعنوان «التغيير يتطلب أكثر من مجرد التحدث علانية- إنه يتطلب الاستماع أيضاً،على وجه الخصوص، ويتطلب الاستماع إلى من لا تتفق معهم، والاستعداد لتقديم تنازلات». جميع هذه الخطابات التحفيزية التي تساعد الطلبة على الاستعداد النفسي والذهني ليدخلوا الحياة العملية والمهنية ومعهم مصباح التجارب من أشخاص أمامهم يتحدثون عن إنجازاتهم وقصصهم، فليس أفضل في التأثير من المعايشة لأشخاص ناجحين.

مجتمعنا مليء بالملهمين والمحفزين والخطباء وأهل التجارب الحية التي لا بد أن ينهل الطلبة منهم، لأنهم الأكثر دراية بثقافتنا وأفكارنا. حري بالجامعات أن تجعل حفل التخرج لطلابها دليل الحياة، مصاغا بتجارب وخبرات ملهمين ومؤثرين خلدوا أسماءهم وأعمالهم، فالجامعة هي أكبر ناشر لهؤلاء المحفزين، وأهل الخبرات، وأكبر موثق لأعمالهم التي لا بد أن تدرس.