هناك حالة لطالب يقول إنه قد ابتعث إلى بريطانيا من خلال برنامج الابتعاث الحكومي، لدراسة تخصص التمريض الذي يعاني شحا ونقصا حادا وهذا سبب الاحتياج للأجانب، وأكمل عام اللغة في أحد المعاهد وحصل على درجة الآيلتس المطلوبة لدخول الجامعة، أي أنه قد كلف ميزانية وزارة التعليم ما لا يقل عن 300 ألف ريال سعودي، وحينها حدثت أزمة كورونا وأغلق السفر وهو في المملكة، وبعد أن تواصل مع الملحقية هناك للعودة لمواصلة تعليمه أبلغته أنه يجب عليه الحضور لبريطانيا أولا ومن ثم يمكنهم المحاولة مع الجامعة لإعادة قيده للدراسة، وبهذا يحتاج إلى أن يدفع مبلغا وقدره ناهيك عن التأشيرة من جديد وغيرها من الإجراءات التي قد تكون نهايتها غير مضمونة، فتقدم لإحدى الجامعات المحلية في منطقته على تخصص التمريض الذي يشترط سنة تحضيرية، ومع ذلك تم وضعه على قائمة الانتظار كونه متخرجا في المرحلة الثانوية عام 2018، بينما تلك الجامعة «مبتلشة» بخريجي 2022 والذين يغطون العدد ويزيدون، وبهذا فصاحبنا «ضاع في الطوشة»، وهناك آلاف الطلاب كل منهم له قصة مشابهة وقد كلف مبلغا مقاربا أو أكثر والنتيجة أنه «يضع يدا على يد» بجوار والدته في المنزل، فتخيل أن هناك على عدد كل طالب عمارة تنشأ بنفس المبلغ ومن ثم يتوقف البناء فيها وهي في المنتصف، ومن ثم يتم البناء في غيرها من الصفر وإذا وصلت إلى وسط البناء توقفت وهكذا، فكم من بناء مهدر، إذ إن صاحبنا هذا لو أجري له اختبارا يعادل السنة التحضيرية كاملة لاجتازه بقدرة عالية نتيجة التعليم الذي قد اكتسبه هناك في ذلك العام الذي أمضاه في «بلاد الفرنجة»، وكأن هذا الاختبار أكمل البناء ليصبح بناء غير مهدر.

السؤال هنا لوزارة التعليم، هل الوزارة على علم بإحصائية دقيقة لحالات الطلاب الذين سبق وأنفقت عليهم مبالغ مشابهة، فإن كان هناك مثلا ألف طالب قد سبق وتم ابتعاثهم حكوميا وتوقفت بعثاتهم لأي أسباب فهذا يعني هدر 300 مليون ريال على الأقل، بل يعني هدر مستقبل 1000 طالب «ضاعوا بين القطارين» ففاتهم قطار الوقت وفاتهم قطار التمكين.

أليس من الممكن على الوزارة أن تخصص حصرا محددا لمثل تلك الحالات، وتقوم بفتح رابط إلكتروني تقوم الحالات المشابهة بالتسجيل من خلاله من قبل المتعثرين أنفسهم، وعلى الأقل إن لم يبتعثوا للدراسة في أماكنهم السابقة فيتم إعطاؤهم أولوية في القبول داخل المملكة، ويتم استثناؤهم من السنة التحضيرية بعد اجتيازهم لاختبار مصمم لذلك، وأليس هذا من شأن مجلس شؤون الجامعات.

وحتى تحتوي وزارة التعليم مثل هذه المئات من الملايين المهدرة، فلها أن تتصور أن كل طالب مبتعث لم يكمل تعليمه وكأنه قد بنى مبنى غير مكتمل، فهل لها أن تتخيل كم من الأحياء بل ومن المدن يمكن أن تبقى على هذا الحال من دون أن يسكنها شخص واحد على الأقل كونها «بناء مهدر يا وزارة التعليم».