ولهذا فإن مؤشر الأداء الجيد لمن يعمل في هذا الملف الفكري يتمثل في مايلي:
١- التمكن العلمي، وسلامة التوجه، وحسن القصد، ونظافة الأرشيف من التحزبات المتطرفة، ذلك أن المنتقل من الباطل، لا يؤمن أن يكون فيه بقية منه، كما ذكر ذلك أئمة الإسلام استنباطًا من بعض الأحاديث، ولأن صاحب التطرف السابق يكون غالبًا غير متزن، يريد إظهار نفسه أنه ليس مع حزبه المتطرف السابق، فيقع في تطرف مضاد، فينتقل من الغلو في الدين، إلى الانفلات ومناكفة أحكام الشريعة، كما هو مشاهد من (البعض) هداهم الله، وهؤلاء لا يُعوَّل عليهم، فدين الله وسط بين الغالي والجافي.
٢- البصيرة والحكمة اللذان من تأثيراتهما:
الإسهام في رد القلوب النافرة عن جماعة المسلمين وإمامهم إلى الجادة، ليلزموا (جماعة المسلمين وإمامهم) هذا هو مؤشر الأداء الجيد، لقياس أداء من يعمل في هذا الملف الفكري.
أما التنفير والسب وإلقاء التهم بدون دليل ورمي الفتيل هنا وهناك، فكلٌ يستطيعه، لكنه لا ينصر حقًا، ولا يقمع باطلًا، ومن كان كذلك فهو إلى معالجة نفسه، أحوج إليها من الكلام في قضايا وطنية حساسة.
٣- كشف الشبهات بعلم وعدل، وترسيخ العقيدة الصحيحة، التي تقف سدًا منيعًا أمام الأفكار الضالة، ولا يخفى على أهل العلم أن كلمة الحق، تدمر الباطل، وتدمغه فإذا هو زاهق. قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَٰطِلِ فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِق) وفي محاورةٍ علميةٍ مشهورةٍ معلومة قام بها ابن عباس رضي الله عنهما، رجع بسببها آلاف الخوارج عن معتقدهم وأفكارهم الفاسدة، فالعلم الراسخ، والحجة القوية هي التي تدمغ الباطل، وبحمد الله فإن الجهود من أهل العلم والعقل والرأي الحصيف، مستمرة في نشر الوعي الفكري، ومنهج الوسطية والاعتدال، وفي دمغ الباطل بالحق، ونأمل أن تزداد تلك الجهود نشاطًا.
٤- الدفع بالتي هي أحسن مع الحجة القوية في محاورة المخالفين، لأن ذلك يصير العدو، وليًا حميما، وربما يجعله مع الحق بعد أن كان مع الباطل، كما دل على ذلك كتاب الله، وتعاملات النبي عليه الصلاة والسلام، وكما في تعاملات ألبَّاء الرجال وأهل السياسة والحكم الرشيد، ومنهم الملك عبدالعزيز رحمه الله، فقد استطاع أن يجعل خصومه ومناوئيه، رجاله ومؤيديه، وقد قال لأحد أشد خصومه والمهيحين عليه: (جميع الفايتات أرفعها، دمدوم وجرف مهدوم... ولن ترى ما يغث خاطرك، ولا ينقص في حقك، وتأتي ظالمًا، وتعود سالمًا...).
أما من بقي على ضلاله وإفساده، فإنه يؤدبه ويؤدب به غيره، فلكل مقام مقال، وولي الأمر يتصرف وفق ما يراه مناسبًا، وتقتضيه الحكمة، ومصلحة الدين والوطن، قال رحمه الله (إني أدفع بالحسنى ما وجدت لها مكانًا، وأتمادى في الصبر، حتى إذا لم يبق للصبر مكان، ضربت ضربتي، وكانت القاضية، وكانت الآية على ما وعدني الله من فضله، والحمد لله رب العالمين) وقد سار أبناؤه وأحفاده وعلى سيرته الحكيمة المتزنة، فالحمد لله على ذلك.
إنه لا يجوز أبداً أن يقدِّم الإنسان مآربه الانتهازية الشخصية، ورغباته في طيران السمعة والشهرة والتصدر، وتصفية حساباته مع مخالفيه، لا يجوز أن يقدِّم ذلك على مصلحة الوطن، وكيان الدولة، وتعزيز اللحمة الوطنية، فضلًا أن يستغل قضايا الوطن لتحقيق مصالحه الشخصية، قال الملك عبدالعزيز رحمه الله: (ذلك يتأتى من طريق أولئك الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة، ومنافعهم الذاتية، فيدوسون في سبيلها كل شيء يعترضهم في الطريق... لا يفكرون إلا في أنفسهم ولم يحسبوا لله حسابًا).
وقبل ذلك قال الإمام عبدالرحمن الفيصل رحمه الله في شأن المنفِّرين المزايدين في رسالة كتبها لابنه الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1328 ما يلي: «والرجال الذين يُعتَمد عليهم - الله يسلمك - ليسوا هؤلاء، بل هم الذين يُسخِّرون الناس لكم، ويحببون لكم الناس».
إن ما قامت وتقوم به قيادتنا في بلادنا المملكة العربية السعودية من جهود مباركة، وما يقوم به رجال الدولة الأكْفاء المخلصين وهم كُثُر بحمدالله، هو الذي عالج وسيعالج هذا الوباء الفكري.
ولا ريب أن نشر العقيدة الصحيحة التي توجب البيعة لولي الأمر والسمع والطاعة بالمعروف، وعدم الخروج على ولاة الأمور، وعدم منازعة الأمر أهله، سبب رئيس للأمن واجتماع الكلمة، ومكافحة التطرف.
أما أولئك الغَشَشَة الذين يرون أن محاربة التطرف يكون بالتزهيد من دراسة العقيدة، ويناكفون أحكام الشريعة، وقيم المجتمع النبيلة، فإنه يجب ألا يلتفت لقولهم مهما زخرفوه، لأنهم خاطئون وليسوا مخطئين، فهم يعلمون أن الشريعة وأصول الاعتقاد وقفت في وجه أهل الثورات في ما سمي بالربيع العربي كما هو معلوم، فكان من مكرهم محاولة التهوين من العقيدة التي من مقتضياتها عدم الخروج على ولاة الأمور، تحت غطاء محاربة التطرف، وذلك ليخرج جيل لا يعرف هذه الأصول العقدية التي توجب البيعة والإمامة وعدم منازعة الأمر أهله، ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله).
ولذلك فإني أرى: أن الرهان عليهم رهان خاسر، وما هم إلا سراب كاذب.
فعقيدتنا هي الرسالة والقيم التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلينا التمسك بها ولا نلتفت إلى أهل الأهواء.
وما أحسن ما قاله الأمير محمد بن سلمان وفقه الله أمام أكبر رئيس دولة في العالم: (رسالتنا وقيمنا النبيلة، نفتخر بها، ولن نتخلى عنها ) جزاه الله خيرًا.
فنحمد الله على هذه الولاية الصالحة، التي لا أعلم لها نظيرًا في العالم من جهة العناية بالعقيدة وخدمة الإسلام.