كتبت إلي تسألني.. أنا في حالة طلاق منزلي منذ سنوات، والآن قررت أن أنفذ الطلاق رسميا، عندي طفلتان لا أعلم كيف أخبرهما بالأمر وما تأثير ذلك عليهما؟

رسالة صديقتنا التي سردت فيها تفاصيل كثيرة تنضح بالمرارة وقلبها الملتاع الذي أكاد أراه يتقافز بين الأسطر، وعدد هائل من الرسائل في نفس الموضوع دعتني إلى كتابة هذا المقال، الذي سوف يكون بداية لسلسلة مقالات خاصة بالطلاق.

لا شك أن فكرة الطلاق تعتبر فكرة مرعبة للأطفال، الطفل يرى أسرته وحدة واحدة غير قابلة للانفصال، الأسرة تشكل العالم بالنسبة للطفل انهيارها يعني انهيار هذا العالم الذي يعرفه.

تأثير الطلاق على الأطفال مختلف وتتدخل فيه عوامل كثيرة ممكن نقسم الأثار إلى:

أولا: أثار نفسية: صمت (غياب الكلام عند الطفل لا يعني عدم الإدراك، الصمت يعد مفردة للتعبير، حيث مفردات الطفل تختلف عن مفرادت البالغين)، الحزن، البكاء، العدوانية تجاه الآخرين أو تجاه الذات (قضم الأظافر)، المخاوف غير المنطقية.

ثانيا: أثار جسدية، ألم المعدة أو زيادة في في حدة الأمراض العضوية، مثل زيادة نوبات الربو مثلا لمن يعانون منه.

ثالثا: أثار سلوكية: تدهور في الأداء الدراسي، مخدرات، سلوكيات جنسية خاطئة في الأعمار المتوسطة، عملية النكوص (يتصرف الطفل تصرفات لا تناسب مرحلته العمرية كالتبول اللإرادي والصراخ مثلا)، السرقة، اضطرابات النوم والطعام.

العوامل التي تحدد مدى تأثير الطلاق على الأطفال:

1- عمر الطفل ومدى إدراكه وتصوراته عن الطلاق.

2- السمات الشخصية للطفل، أثبتت الدراسات أن الطفل الانطوائي يتأثر أكثر من صاحب المهارات الاجتماعية.

3- طريقة الانفصال وطول فترة الصراع ما قبل الانفصال.

4- أداء الوالدين ومقدار الدعم النفسي الذي يقدمه الوالدان وأسرتهما الكبيرة للطفل خلال الفترة الحرجة ما قبل الطلاق وبعده.

سأطرح عليك موجهات عامة للتعامل مع الأطفال في حال قررت الطلاق وكان قرارك نهائيا:

أولا: لابد أن يشترك الوالدان في إخبار الأولاد معا، ويكون طرحا متسقا ومنسجما متفقا عليه مسبقا بين الطرفين، حتى نتجنب الصراع وتبادل الاتهامات أمام الأطفال.

ثانيا: التأكيد على أن الطلاق لا علاقة له بالطفل (عالم الطفل يتمحور حول ذاته قبل تطور التفكير التحليلي والاستنباطي عنده، فأول شعور يخالج الطفل هو أنه هو السبب في طلاق والديه، ويشعر بالذنب ويلوم نفسه، وهو أكبر أثر نفسي نخشاه على الطفل، لأن عقدة الذنب قد تستمر وتشكل نمط تفكير تتبعه سلوكيات واستجابات غير مرغوبة في المستقبل).

ثالثا: نراعي عمر الطفل واحتياجاته النفسيه، مثلا: أقل من خمس سنين يجب التأكيد على الحب، حتى لا يعاني الطفل من قلق الانفصال، من 5- 12 عمر حرج تتضح فيه شخصية الطفل يجب أن نركز على رفع الثقة بالنفس، لأن الطلاق قد يسبب شعورا بالدونية أو وصمة اجتماعيه، عمر المراهقة، هناك احتمال أن يتقمص الطفل دور البالغ، ويحاول الإصلاح أو ينسحب من الصورة تماما (يجب أن نحسن إدارة الوضع لأن المراهق له احتياجات خاصه)، في الأعمار الأكبر لابد من التأكيد على استمرار الدعم المادي، وأنه لن يعاني أي مشكلة مالية بعد الطلاق لذلك يجب أن تفهم البعد السيكولوجي وعلاقته بالعمر والإدراك، ونتعامل معه بصورة صحيحة.

رابعا: ترتيب حياة الأطفال وسكنهم ومواعيد زيارة الشريك غير الحاضن والتأكيد على التواجد واستمرارية الحب والدعم والتواصل وتثبيت روتين محدد يساعد على الاستقرار النفسي والتكيف السريع.

خامسا: تجنب تماما دور الضحية ومحاولة كسب تعاطف أبنائك بتشويه صورة الشريك وتحميله مسئولية فشل الزواج لأنك بذلك تسهم في خلق تشوه معرفي لدى الطفل فالأم تمثل المرأة في حياة الطفل والأب يمثل الرجل فالطفل لم يكون بعد وجهة نظر واضحة عن العالم، شيطنة الطرف الآخر سوف تشوه الصور الذهنية عند الطفل، وهي جريمة ترتكبها في حق طفلك، فإذا قيل له أن المرأة التي حملته في إحشائها سيئة، والأب مصدر الأمان هو شخص سيئ انتزع منه أمانة كيف يأمن على نفسه في هذا العالم، هذا موضوع غاية في الخطوره يسمى علميا (النمذجة الأبوية) يعيد فيه الأطفال في حياتهم المستقبليه نفس مشاكل الآباء.

سادسا: لا تستعمل الأطفال كورقة للضغط على شريكك لا تحمل الطفل مسئولية إيصال الرسائل من الطرف الآخر أو عائلته، ولا تطلب منه الانحياز لأحد الطرفين حتى لا يصبح طرفا في الصراع ولا وتطالبه بالقيام بمهام الشريك وتحمله مسئوليات أكبر من عمره كل تلك الممارسات تزيد من الضغط وترفع درجة الاضطرابات التي قد يعانيها الطفل.

ملاحظات أخيرة

1- حتى لو كنت تعتقد أن شريك شخص غير مؤهل للتربية أو له تأثير سلبي على أطفالك لا تمنع تواصلهم معه لأن استشعار التواصل سيسهم في الإشباع الذاتي والنفسي للطفل وفقدانه سيكون أكثر ضررا من أي أثر سلبي آخر.

2- الاتزان في شخصية الطفل مربوط بشكل أساسي برمزية الأب والأم إذا تعذر وجود أحدهما حاول تعويض غياب الأب بالجد أو الخال أو العم وغياب الأم بالجدة والخالة أو العمة.

3- لا تحاول تعويض غياب الشريك بتدليل زائد أو حزم زائد الإفراط في أي اتجاه سيكون له تأثير سلبي على الأطفال.

رسالة لأسرة المطلق والمطلقة، أحيانا بطريقة غير واعية يدفع الأهل غضبهم من الطلاق إلى إسقاطات ظالمة على الأطفال فيرون فيهم جزء من ذلك الشخص الذى آذى أبننا أو ابنتنا، أرجوكم لنرفع وعينا بمشاعرنا ودوافع تصرفاتنا ونمارس الرحمة بهؤلاء الأطفال فهم أروح بريئة تحتاج الحب والدعم والحماية وليس ذنبهم أنهم ثمرة زواج فاشل.

الوضع الأفضل للأطفال دائما هو العيش في كنف الوالدين ضمن أسرة مستقرة، لكن لكل مشكلة أبعادها وأحيانا يكون الطلاق نهاية لمعاناة طويلة، خصوصا في ظل وجود الإيذاء الجسدي والنفسي، لذلك لا يجوز تعميم الرسائل كل ما نفعله هو وضع الأطر العامة في محاولة لتقليل الإضرار، لكن أرجوك لو كنت تعاني من زواج فاشل وقررت الانفصال حاول أن تقود طلاق ناجح لأجل أطفالك الذين هم مشروعك الإنساني واهم قضية في حياتك ويشكلون امتدادك على هذه الأرض، التزم بواجبك كاملا، فالطلاق انفصال زوجين وليس والدين.