للاستثمار قوانينه التي لا تقبل المحاباة، وللمستثمرين تجاربهم التي أفادوا منها خلال تاريخهم الطويل في هذا المجال الخصبة أراضيه، المتلاطمة أمواجه، وكم تحت رمال الصحارى من كنوز، وكم في أعماق المياه من موارد، ولكن رأس المال دوماً جبان، ولا يكتفي بوعد مغر، أو حلم جميل فقط، فالمستثمر مثل قناص حاذق لا يطلق مخزونه من السلاح إلّا حينما يتأكد من حتمية الصيد وبعد أن يرى فريسته عيانًا لا شك فيها!

لذلك فلا مفر من الحديث الصريح الذي يجلي الواقع، ويشرّح الوضع، كي تستبين المعالم، ونكون على بينة مما نقول أو نفعل. ويزداد أهمية هذا المنحى لأن رؤية المملكة 2030 تستهدف رفع حجم الاستثمار الأجنبي من 3.8 % إلى المعدل العالمي 5.7% حتى يصل إلى 388 مليار ريال في 2030، علماً بأن حجم الاستثمار الأجنبي عام 2021 بلغ 72.3 مليار ريال، ويمثل 1.3 % من حجم الاستثمارات الأجنبية عالمياً البالغ 1650 مليار دولار. وحسب مؤشر التنافسية في 2020 جاءت السعودية في المرتبة 24 والمرتبة 62 في مؤشر سهولة الأعمال.

هذه الأرقام لا ترتقي إلى طموحنا وإلى قدرات بلدنا ومزاياها حتى وإن كانت أرقامًا جيدة بالجملة، فلدينا عوامل جذب قوية مثل الاستقرار السياسي والاقتصادي والنقدي، وحرية حركة الأموال، ونشاط الاقتصاد وفتوته، وقوة شرائية خاصة تلك الحاضنة للحرمين الشريفين، وهذا عامل يجذب أكثر من 1.3 مليار إنسان، وهي ميزة لا ينافسنا عليها أحد، والإقبال عليها تلقائي حتى بدون تسويق.

مع ذلك فهناك معيقات تواجه المستثمر الأجنبي مثل بعض أنماط العمل الإداري، ومستوى البيئة المساندة والخدمات اللوجستية، وطول فترة التقاضي، وصعوبة الحصول على معلومات محدثة ودقيقة عن قطاعات الاقتصاد السعودي، إضافة إلى ارتفاع التكلفة التشغيلية والخدمية والضريبية، علمًا بأن جميع هذه الإشكالات تحت نظر الأجهزة الرسمية لمعالجتها، ونتمنى الإسراع بذلك، فلدى المستثمر فرص عالمية مناسبة ومغرية، وهو لن يطيل الانتظار؛ فمصلحته عليه أولى. يجب أن نعلم أن المستثمر لا يستثمر إلا بأسباب مقنعة فهناك أمامه 196 دولة تفتح ذراعيها له، فأول ماينظر إليه المستثمر هو سهولة أداء الأعمال، التقاضي، الضرائب، حركة الأموال، الخدمات العامة، سعر الصرف، أسعار الطاقة، الائتمان، الشفافية، حماية المستثمر، الأسواق، التصدير. كما أن للاستثمار الأجنبي فوائد جمة للوطن والمواطن.

وسأورد ثلاثة أمثلة لدول جذبت الاستثمار لديها، أولها سنغافورة البلد الصغير المتخلف الخالي من الموارد وأسباب الجذب، وقد أصبحت درة آسيا حالياً. ومثلها دبي التي لم تكن مذكورة في الماضي وهي الآن على كل لسان من أجل الاستثمار قبل أيّ شيء، والثالثة دولة رواندا التي كانت في التسعينات نموذجاً للموت، وهي حالياً ذات تطور مذهل في إفريقيا تجاوزت به حتى بعض الدول الأوروبية، ويوجد سواها من الأمثلة التي يمكن أن يستفاد منها دون تقليدها كما هي.

إني أعتقد جازماً ومؤمناً بأننا نستحق أن نكون من الدول العشرين الأكثر جذباً للاستثمار؛ ولكي نحقق هذا يجب علينا التعريف بالفرص المحلية، وربط الأجانب بالمستثمرين المحليين، وترتيب الزيارات لاستكشاف الفرص ومقابلة المسؤولين ورجال الأعمال، وسوف يجد المستثمرون الفرص الواعدة يقينية الربح في جلّ القطاعات من الحج والعمرة إلى الطاقة، وفي أجواء البلاد، وتحت رمالها، وفي قيعانها المائية، وبين صخورها وجبالها، وفي مراعيها وأراضيها الزراعية، وعند موانئها ومنافذها البرية والبحرية والجوية، ولدى إنسانها في تعليمه وصحته ورفاهيته.

إن فوائد جلب الاستثمار الأجنبي غير خافية ولا تحصى، ويكفي منها جريان الحياة النابضة في عروق الاقتصاد، وصناعة الفرص التجارية والوظيفية، وزيادة التنافسية. وحتى تجني بلادنا العزيزة هذه المزايا اللذيذة فلا مناص من إجراءات عملية محكمة وسريعة ومرنة، وآمل أن تحقق الهيئة السعودية لتسويق الاستثمار المنشأة حديثاً بالأمر الملكي الكريم الأغراض المأمولة منها من قبل ولي الأمر بما يحقق الصالح العام في الحاضر وفي المستقبل، ونحن قادرون ومؤهلون.