هذا المشهد انتشر على مستوى العالم، وكأن كل من قام بمشاركته ونشره كان يبحث عن شيء داخله ووجده في ذلك المشهد، فكل منا تأتي عليه لحظة ويقول في نفسه أين ذلك الطفل الذي بداخلي، لماذا وصلنا إلى هذا الحال، حينما يتم التعامل مع بعضنا البعض حسب تصنيف لم نؤمن به ونعمل بموجبه إلا بعد أن بلغنا الرشد بقليل، لماذا لا يهتم الأطفال بجنسية بعضهم البعض؟! ولا يهتمون للون أو الدين أو الطائفة أو القبيلة أو حتى نوع الجنس، إذ أتذكر أنه كان هناك والد لطفلين من النمسا، وكان بالقرب منهم أسرة خليجية لديها طفل يبلغ من العمر 4 سنوات تقريبا، وكان الآباء متفرقين لظروف اللغة والعرق وكل شيء تقريبا، وكان يشتكي ذلك النمساوي على نمساوي آخر ولكنه من أصول عربية، إذ يقول أشعر بأن أبنائي هنا يفتقدون للمرح مع أقرانهم، كونه لا يوجد هنا من يفهم لغتهم، وبينما هم في ذلك النقاش، وإذا بالأطفال يلعبون مع بعضهم البعض بكل سعادة وحماس، إذ كان العرق واللغة عائقا للكبار ولكنه لم يعق الصغار، فرغم جمال المشهد فإنه يظهر مدى وحشية الفكر الذي زرعه فينا المجتمع كلنا من الآخر.
على مستوى المدينة الواحدة بل وحتى الحي الواحد، إذ تجد هناك أحياء كاملة بمجرد أن تحاول استئجار شقة هناك وإذ بصاحب العقار يبلغك أن ذلك الحي أغلبيته من المنطقة الفلانية أو من المذهب الفلاني، أو من العرق أو اللون الفلاني، فقط كي تكون على بينة ولا تقوم بالنقل لمكان آخر بمجرد علمك بهذا الشيء لاحقا.
ما أريد قوله إننا لم نحدد أي شيء مما خلقنا به، لم يختر الأبيض ولا الأسمر لونه، لم يختر هويته وعرقه وقبيلته وطائفته، فهذا كله يأتي لاحقا بعد أن يعيش المولود في أمريكا اللاتينية بنفس الحركات والبكاء والضحك واللعب لطفل في سنغافورة، ويبقى تشابها بين أطفال أوروبا وأطفال صحاري أفريقيا، ومع الوقت يتحدد ما يفرق الغني عن الفقير، والأبيض عن الأسود، والخضيري عن القبيلي، والسني عن الشيعي، والمسلم عن المسيحي وهكذا، فيتم بناء الأطر والحواجز الاجتماعية التي لم نكن نراها «أيام كنا أطفال».