(المعاملة التفضيلية) واحدة من أسوأ صور جريمة استغلال النفوذ الوظيفي، وتكاد تكون الأوسع انتشارًا في الجهات الحكومية. وفيها يحظى موظف معين بامتيازات وتسهيلات أكثر من بقية الموظفين لكونه مقرب من المسؤول أو يخدمه في أمور غير قانونية، وغير أخلاقية أحيانًا كالتجسس على زملائه أو خلق ولاءات وتشكيل لوبيات داخل المنظمة.

كم نموذج كهذا مر عليكم في جهات عملكم؟ وكم من الضرر ألحق بكم أو بغيركم هذا النموذج من الفساد الإداري والأخلاقي؟

أعتقد أنه من حق هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أن تزور الجهات الحكومية وشبه الحكومية مدققة في هذه الجريمة تحديدًا والتي تظهر من خلال سجلات الانتدابات والمزايا والترشيحات والتمكين، كما يحق للهيئة فتح التحقيقات والعمل على المحاسبة.


جريمة المعاملة التفضيلية فضلًا على ضررها المعنوي والمادي على الموظفين فهي تستخدم أيضًا كعقوبة مقنعة يستخدمها المسؤول ضد الموظف الذي لا يتماشى مع مصلحته بغض النظر عن تأهيل هذا الموظف وقدراته المهنية وانضباطه الوظيفي، فيتم تهميشه وهضم حقوقه الوظيفية فقط لأنه لم ينضم للوبي المسؤول.

هذه الجريمة معروفة لدى الكثيرين لكن توصيفها قانونيًا ومحاربتها هو ما ينبغي العمل عليه في هذه المرحلة التي شعارها الحوكمة والشفافية والمحاسبة، ودون هذه العناصر لا يمكن المطالبة بزيادة إنتاج الموظف الحكومي طالما يرى أن غيره مفضلًا عليه لأسباب غير مشروعة وغير نظامية.

المساواة بين الموظفين واجبة ولكننا نقع هنا في مشكلة أخرى وهي أن النظام شيء وتنفيذه شيء آخر، كما أن الغموض الذي يحيط ببعض النصوص والذي تفسره الجهات بشكل غير مؤسسي بل من خلال رأي موظف وحسب فهمه الخاص الذي قد يكون قاصرًا عن معرفة مضامين النص القانوني ومدلولاته أو قد يتجرأ ويلوي عنق النص لمصلحة شخصية يبتغيها.

وأخيرًا فإن المعاملة التفضيلية جريمة كاملة قائمة بركنيها المادي والمعنوي كما أنها جريمة مركبة تضر بالصالح العام وتفوت على الوطن الاستفادة الكاملة من طاقاته وموارده البشرية، كما أنها تؤدي لإثراء بعض الموظفين من وظائف الدولة دون وجه حق أو ترشحهم للمناصب بحصولهم على تزكيات زائفة غير مبنية على عملهم وكفاءتهم بل على طبيعة علاقاتهم الخاصة مع المسؤول.