قيل إن عنترة بن شداد هرب من ثور هائج، فسألوه أين شجاعتك؟ أتخاف من ثور وأنت عنترة؟! فقال لهم: وما يدري الثور أني عنترة؟!

ويقال إن أحد رجال الأعمال، تاجر عقار أو تاجر تراب (سمها ما شئت) أراد أن يدخل مشروعا فأحضرت له الشركة الاستشارية خبيرا مخضرماً وعرفوه على التاجر، وقالوا للتاجر ترى الخبير خريج (أم أي تي) (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا) من باب المفاخرة وأنه نابغة، وكما هو معروف فإن أم أي تي جامعة العباقرة النوابغ في العالم، ويبدو أن تاجر التراب يحب يستخدم الفهلوة، متعود على شغل الشريطية، ويبدو أن ثقافته ضحلة فرد عليهم، يعني خريج معهد حتى جامعة ما معه!!

هذا مدخل للمقال، عادةً إجازتي قصيرة وربما هذه الإجازة أطول إجازة أقضيها في السعودية منذ سنوات، فلذلك احتكيت بالكثيرين من أطياف المجتمع كافة، والحق يقال استمتعت بالإجازة، خصوصا في ربوع الرياض التي تتغير وتتطور بين ليلة وضحاها. (البعد والقرب) كلاهما له فائدة، فالبعد يعطيك نظرة بانورامية متعددة، وأيضا يعطيك موضوعية أكثر لأنك لست وسط المعمعة، فتستطيع الرؤية بزاوية أوسع وأفضل. بينما القرب يعطيك أيضا فائدة أن ترى الوضع على الطبيعة، تعاشر الناس وتتعرف على أفكارهم عن قرب دون رتوش وتجميل.

البلد ماض في طريق التقدم والرؤية، لكن ليس الجميع يطابق تفكيره وأفعاله الرؤية وروحها، حتى وإن ادعى تشجيعه لها، وسآخذ حسن النية وأقول؟؟؟؟؟؟ عن غير د.

عندما تناقش البعض تجد أنه لم يستوعب بعد روح الرؤية وأهدافها، تجده يردد كلاما بدون معرفة واستيعاب له!

تجد مكتبه مليئا بشعارات الرؤية، لكن استيعابه ونقاشه وكلامه بيروقراطي متأصل منغلق، الرؤية مبنية على الإبداع والمبادرة والأفكار الثورية الخلاقة ولا تجتمع أبدا مع الانغلاق والبيروقراطية، الرؤية هي التقدم للمستقبل والتغيير ولا يمكن أن تكون مناصرا لها وأنت بيروقراطي ضيق الأفق، حتى لو طبعت شعاراتها على شماغك!

أكون صريحا، تفاجأت بحجم المقاومة البيروقراطية للتحديث عند البعض، ربما الآن أصبحت المناصب العليا بعد التغييرات أكثر مرونة وسعة أفق، لكن بعض المناصب الوسطى وأقل ما زالت تفكير (أبو ملف علاقي) القديم نفسه. والتغيير فقط أن البعض يردد بعض مصطلحات الرؤية دون وعي بها، هذا غير طبقة المتملقين الذين مهاراتهم لا تؤهلهم للتقدم في زمن الرؤية، فاستبدلوا المهارة بالتزلف والتملق وترديد الشعارات دون علم.

أقولها بكل حيادية سمو الأمير محمد بن سلمان عمل ويقدم عملا جبارا في تطوير المجتمع ونقله حضاريا واجتماعيا وعمليا وعلميا، رغم كل الترسبات البيروقراطية وانغلاق أفق البعض المكرس لعقود!

بعض العينات التي رأيناها وتناقشنا معها يحسسك بأن المجتمع لازم له 5 عقود علشان يتطور ويتحسن، بينما والأمير محمد يسعى بلا هوادة لذلك في سنوات معدودة!

حقيقة، عزيمة ولي العهد وشغفه يضرب بها المثل، كيف يحاول نقل الجميع بمن فيهم العينات المقاومة للتطور للمستقبل، واعذرونا فعلا بعض الذين تقابلهم تحس أنه أحفورة من مدى التخلف والانغلاق والروتين والبيروقراطية.

وفي المقابل رغم تشجيعي الدائم للوجوه والدماء الشابة ومساندتي لإعطاء الفرصة لهم، لكن وجدت البعض من الجيل الجديد إلى الآن لم يصل للمهارة والخبرة اللازمة لكي نستطيع أن نقول إنه سيصنع الفارق، تخرجك من جامعة ممتازة لا يعني أنك أصبحت كفاءة أو خبيرا أو مستشارا بل يعني فقط أنك فتحت الباب لأول الطريق والدنيا والعمل، والحياة ستعركك وتصقلك لتصبح كفاءة، البعض يتكلم وعظمه ( لسا طري) وشتان بينه وبين ما يتحدث عنه، عاشرنا شرق الأرض وغربها، ونعرف من يتحدث عن علم وخبرة ومن يتحدث تصفيف كلام!

لا أخاف على الرؤية وحارسها يملك شغفا مثل شغف الأمير محمد، لكن رأيت المعاناة والمأساة والتأخير والبيروقراطية ورفض التجديد بل محاربته التي كانت عند بعض القطاعات التي تكدست لعقود، أتمنى ألا يصبحوا حملا ثقيلا أو عائق تأخير للرؤية، إلى الآن لم يفهموا أن الرؤية تعتمد على الأفكار الثورية والمبادرة، والسبق قبل الجميع وتقبل التغيير والجديد والتطوير، وليس جملة (هذا ما تعودنا عليه سابقا أو هذا نظامنا سابقا).

إذا أردت أن تعرف عقليتك هل هي مع الأفكار الجديدة الخلاقة وتتواءم مع روح الرؤية سأعرض عليك ثلاثة أسئلة، اسأل نفسك (لو كنت موظفا حكوميا أو مسؤولا) وعرضت عليك ثلاثة أمور هل ستتقبلها وتوافق عليها أم لا؟ (لو كنت موظفا وعرض عليك طلب إصدار تصريح لأكبر شركة تاكسي في السعودية، ولكن لا تملك الشركة أي سيارة أجرة، هل ستوافق؟. طبعا لنفرض لو لم تكن تعرف أوبر وكريم، لو عرض عليك برنامج في جهاز كمبيوترك أو موبايلك وقيل لك إن قيمة هذا التطبيق عن الطعام أكثر من مليار وليس لديه أي مطعم يمتلكه هل ستوافق عليه؟ طبعا لنفرض أنك لا تعرف شيئا عن جاهز و مرسول والخ... لو عرض عليك تصميم مدينة من 9 ملايين شخص عبارة عن ناطحة سحاب بطول 170 كلم وعرض 200 متر فقط، ومدينة مكتفية بذاتها هل ستعطي ترخيصها؟ ولنفرض أنك لا تعلم عن (لاين -نيوم).

هل كنت ستصدق أن تطبيق تواصل اجتماعي ممكن أن تصل قيمته السوقية لمئات المليارات مثل فيسبوك؟

إذا بقيت تقليديا وتنتظر ماذا سيقول النظام فإن الأمور في العالم تتغير وتتطور كل ساعة، والأنظمة التقليدية ليست كافية للحكم على الأشياء الجديدة، أتمنى من كل دوائر وقطاعات الدولة أن تكون لها سعة أفق ومبادرات وتقبل للجديد والتغيير ولو جزء مما لدى ولي العهد، حتى تصبح على مسار وروح الرؤية نفسها، بدل أن تسمع كلمة كذا النظام بدون فهم، والأهم ألا يكون بدون معرفة، فربما هذا النظام عتيق لا يتواكب مع روح الرؤية، فالأنظمة وضعت لتتعدل وتتطور وتتغير! الرؤية أن تصل أحلامنا إلى عنان السماء، وهذا يحدث فقط إن كنا الأوائل والمبادرين والمرحبين بكل تقدم بدون عوائق بيروقراطية.

سألني أحد الزملاء لماذا لا أساعد إحدى الجهات في التغيير بحكم الخبرة والتخصص؟، فأجبته بقصة عنترة والثور.

في بعض الأحيان من الحكمة ألا تظهر مهارتك وأفكارك لبعض الجهلة، فيهزموك بجهلهم، وكرم نفسك بألا تضع نفسك بمكان لا يليق بك، ويقال لا تجادل الأحمق فقد يخطئ الناس في التفريق بينكما.