(الحجاز، ونجد، والعروض، وتهامة، واليمن)، هذه الأقسام الخمسة عند العرب هـي مـا اشتملت عليه الجزيرة العربية إبـان غـزو «بختنصر»، وهـي الـتي لم يبلغها ملـك فـارس، وهـذه الأقسـام هـي العربية السعيدة في الجغرافية اليونانية، أمـا الـهـلال الخصيب بباديته، ومصـر العمليقية، فهذه هي الأرض الباقية من جزيرة العرب، فما بلغه ملك فارس وسلطان الروم ممـا بـقـي مـن الجزيرة يمكن اعتباره قسمين: الهلال الخصيب، ونقصد بالهلال الخصيب: العراق، وسورية الكبرى وباديتهما، ونقصـد بسـورية الكبرى: سـورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين. ونقصد بباديتهما: البادية الممتدة من شرقي العراق، والقسم الثاني وهـو: مصر العمليقية ونقصد بمصر العمليقية: شبه جزيرة سيناء، ودلتا النيل، والصحراء العربية شـرقـي النـيـل مـن البـحـر المتوسط شمالاً، إلى قناة «أمنيـس تـراياني» جنوباً، فبهذين القسمين تكمل جغرافية الجزيرة وتاريخها.

تكمل جغرافية الجزيرة العربية حسـب الحـدود التي وضع الجغرافيون العرب جزيرتهم داخلها. وهذه الحدود تمتد من الفرات شمالاً إلى البحر العربي جنوباً، ومن النيل غرباً إلى الفرات شرقاً، فهذان القسمان استوطن فيهما النفوذ الفارسي والرومي ردحاً من الزمن.

فأولئك الجغرافيون الذين تحدثوا عن أقسام الجزيرة العربية الخمسة قالوا: إن مهـد العروبة جزيرة العرب، وقالـوا عـن حـدود جزيرة العرب: يحدها من الشمال والشرق نهر الفرات، وقالوا: (وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلاً معارضاً البحر معه حتى دفع في بحر مصر والشام)، فقناة «أمنيس تراياني» تصور لنا كيف أصبح النيل معارضاً البحر حتى دفع في بحر مصر والشام، وكذلك تصـور لـنـا قـنـاة «الدار» كيف اتصـل الفـرات بالبحر المتوسط، ولقد وضعنا ما يجب إيضاحه عن هاتين القناتين عندما تكلمنا عن حدود الجزيرة العربية في البداية، وبيّنا كل ما يجب على البحث بيانه. ففي جنوبي نهر الفرات وغربيه، وفي شرقي نهر النيل يقـع هـذان القسمان: «الهلال الخصيب» و «مصر العمليقية». فبدون هذين القسمين تصبح الجزيرة العربية مبتورة ناقصة.

- وبهذين القسمين يكمل التاريخ العربي؛ فالعراق عربي من بداية تاريخه، ففي رأي بعـض المحققين أن «السومريين» جـاءوا مـن هـضـاب «آسية» الشمالية الشرقية واغتصبوا بلاد ما بين النهرين من أصحابها العرب، وأن «الحمورابيين» عرب استعادوا الأرض العـربيـة مـن السومريين المغتصبين، وأعادوا لها السلطان العربي والحضـارة العربية، وتجاوزتهـا جيوشهم حاملة مشاعل الهـدي الإسـلامي إلى أرض فـارس ومـا وراءها.

والبادية من العراق إلى سورية عربية مئة في المئة من فجر تاريخها شعوباً ودولاً، وهـي جغرافياً امتداد طبيعـي لـرمـال نـجـد وصـحارى العروض، فالذين أسسـوا دول «الحيرة» و«الأنبار» و«تدمر» و«بترا» هـم أبناء العربية السعيدة الذين انتجعوا هذه البادية، وهم حفدة الذين أسسوا دول «قرح عاد» و«حجر ثمود».

فقـدم تاريخ العرب في العراق وسورية ومصر حقيقة أثبتتها أدلة مختلفة المصادر. فللكنعانيين - الفينيقيين تاريخ معروف في لبنان، وللعماليق تاريخ معروف في سورية، وفلسطين، والأردن، ومصر، ولا تزال آثارهم ظاهرة تشهد بوجودهم على ضفاف النيل الشرقية مـن بـدايـة تاريخه. فالعماليق في كتاب «العرب قبل الإسلام» لجرجي زيدان منهم «الحمورابيون» في العراق، و«الجبابرة» في الشام و«الهكسوس في مصر. وتؤكد مصادر تاريخ الهجرات العربية أن الشعوب العربية التي انتقلت من منخفض الساحل الشرقي للخليج الإسلامي، والتي عرفت في المصادر الإسرائيلية باسم كنعان، كان منها العماليق، ومنها شعوب ذكرتها "التوراة" بهذه الأسماء: "اليبوس" و"الأموري" و"الفريري" و"الحوبي" و"الجرجاش"،وتؤكد مصادر تاريخ وادي النيل أن الساميين من أوائل من سكن ضفاف النيل.

فتاريخ العماليق والإرميين والمعينيين في نجد والحجاز والعروض وتهامة واليمن، يكملـه تـاريخهم في الهلال الخصيب، وسورية الكبرى، ومصر فرعون يوسف بن يعقوب العمليقي.

ولـئـن كـان الـتاريخ الـعـربي في"الحيرة" و"الأنبار" و"بتـرا"و "تدمـر" و"الـبلقاء» و «بصرى»، حواضـر الـدول العـربية بعـد الميلاد، ومـنـازل قبائلها: «تـنـوخ» و«إيـاد» و«كلب بن وبرة» و«سليح» و«خشين» و«القين» وغيرهم من قبائل حلف «تنوخ» وحفدتهم أكثر وضـوحـاً مـن تـاريخ «نـيـنـوى» و«بابل» وغيرهمـا مـن عواصم الساميين العـرب قـبل الميلاد في عصر «ابن جرير الطبري ومن سد سد فراغ ابن جرير الطبري من أعلام المؤرخين أمثال "ابن كثير" و"ابن الأثير" و"ابن خلدون"، وغيرهم ممن قدمناهم في الجزء الثاني من هذا المؤلف "العرب في أحقاب التاريخ"، الذي صدر بعنوان "التاريخ العربي ومصادره"؛ لئن كـان تـاريـخ هـذه القبائل حقيقة ملموسة في مؤلفات المؤرخين الإسلاميين، لقد أصبح أيضـاً مـن الحقائق الملموسة في بحـوث المحققين المعاصرين وضـوح التاريخ الأقـدم مـن الميلاد بعد الاكتشافات الأثرية في الهلال الخصيب وفي مصـر العمليقية، كما وضح أكثر من ذي قبل تاريخ جنوبي الجزيرة العربية بعد البحوث الأثرية.

1965*

*مؤرخ وباحث وصحافي سعودي «1911- 1984».