السياحة ذلك المورد الذي يعتمد عليه اقتصاد دول كثيرة كمصدر دخل أساسي تقوم عليه الدولة.. لم يكن بابه مفتوحا من قبل كأحد مصادر تدفق النمو الاقتصادي في السعودية، رغم أن أراضيها كدولة مترامية الأطراف، ذات تنوع جغرافي ما بين الصحراء والبحر والبيئة الخضراء داخل حدود واحدة، إضافة لما حباها الله من ثقافات متعددة تعتبر ميزة لأي بلد أراد استثمار السياحة كأحد مصادر دخله.

وبما أننا نتحدث عن السياحة، فحتما لا بد أن نشير إلى أن السعودية كأرض ومهد لحضارات عريقة أغناها ذلك بإرث حضاري ضخم وكنوز أثرية لا تقدر بثمن.. وأماكن تاريخية تُشد إليها رحال السياح من كل مكان، متى ما توفرت خدمات جاذبة تسهل على السياح قضاء وقت ممتع، ليكونوا أكبر دعاية للمنطقة السياحية.

الاهتمام بالسياحة رغم مقومات نجاحها داخل الوطن الغالي لم يكن مطروقا من قبل، لاعتبارات مجتمعية مصدرها الخوف من الانفتاح الذي سيأتي مع توافد السياح، والذي كان يعتقد أنه سيمزق النسيج الأخلاقي، ويحدث خللا في الأساس العقائدي لدى المجتمع، ومن هنا أقفل باب السياحة، وللأسف طمست معالم كثير من الآثار التي لا تعوض، خاصة الأثار الإسلامية خوفا من التبرك بها وما صاحب ذلك من أسباب هشة عطلتنا كثيرا عن الانطلاق بقوة نحو سياحة قوية نحن جديرون أن نسابق عليها غيرنا من الدول التي تعتبر واجهات سياحية راقية وجاذبة.

ولأنه لا يصح إلا الصحيح، ولأن السعودية تسخر كل طاقاتها ومواردها من أجل تحقيق رؤية 2030 على الوجه الأكمل.. فتحت مجالات واسعة لتنمية اقتصادية مستدامة، تتنوع فيها مصادر الدخل، حيث اعتبرت السياحة في رؤية النماء والازدهار ركيزة أساسية كواجهة سعودية سياحية نعمل على ترسيخ مكانتها على خارطة السياحة العالمية، لتصبح من أهم الدول السياحية في العالم.

من أجل ذلك أكدت الرؤية على أهمية إحياء مواقع التراث الوطني والإسلامي وتسجيلها دوليا.. وتسهيل وصول السائح إلى مراكز الثراث السعودي ببصاماته الواضحة والجاذبة في كل منطقة من مناطق هذا الوطن العريق، ومن أجل السياحة وما تستحقه منا، قام على سبيل المثال لا الحصر مشروع القدية والبحر الأحمر وتطوير الدرعية وجدة التاريخية وغيرها كثير.

كل هذا رائع وجميل ونحتاجه نحن كسعوديين من أجل سياحة داخلية نحن أول من سيستمتع بها، كوجهات سياحية وطنية ستخفف كثيرا من اتجاهنا للسياحة الخارجية.. وكسعودية أفضل أن أصرف ميزانية رحلتي السياحية في وطني على أن أنفقها في دول أخرى.

السياحة التي تهمنا كثيرا تستحق منا أن ندعمها من خلال نقل احتياجاتنا للمسؤولين وللمستثمرين في القطاع السياحي، لنختصر الوقت والمسافة للوصول إلى الأهداف التي نريدها.

ومن أجل ذلك، ولنهضة سياحية سريعة لا بد أن تُحدث خدمات الطرق البرية بشكل سريع لتواكب النهضة السياحية.. والاستثمار في خدمات الطرق البرية مجاله خصب وواسع، فالمواطن أو المقيم أو الزائر السائح يحتاج لخدمات طرق جاذبة، وأهمها محطات بنزين بخدمات متكاملة، وأقصد بها استراحات صغيرة، بغرف نظيفة وخدمات فندقية تناسب الطرق كالتي تنتشر بطرق أوربا وأمريكا البرية، ومحطات بنزين مزودة بخدمات متكاملة (مطاعم ودورات مياه وأماكن تسوق سريع نظيفة وجاذبة).

كذلك الاستثمار بخدمات مماثلة داخل القرى التي يمر بها المسافر أثناء رحلته، مع الحرص على الهوية السعودية العامة، والثقافة الخاصة بكل منطقة يمر بها السائح، والاستثمار في المنتجعات الصحية الاستجمامية في المناطق الخضراء الخصبة في السعودية، أو منتجعات التأمل والهدوء على صحارينا رائعة الجمال.

الاهتمام بالطرق البرية وتفاصيلها، وبمشاريع سياحية ومنتجعات استثمارية تحتضنه بيئتنا الجغرافية والثقافية الغنية، سيكون له أثر كبير في تخفيف التزاحم على الرحلات الجوية لعدة أسباب.. فمثلا كثير من السياح الأجانب يفضلون الطرق البرية التي تأخذهم برحلة إلى قلب السعودية التي يقتربون خلالها من نبض قُراها، ويقرؤون عادات أهلها وتراثهم وثقافتهم البعيدة عن المدن المعصرنة.

أيضا سيكون باب رزق واسع تنتعش من خلاله قرى كثيرة.. وسيساهم ذلك بوصول أسرع إلى عمق الرؤية السعودية لدى الشعب خاصة من يسكن خارج المدن الكبيرة، وبذلك تصبح دائرة مسؤولية تحقيق الأهداف أوسع، وستكون الاتجاه نحو السياحة كدراسة أو كعمل أو كاستثمار أكبر بكثير، كخيار رائع عند الكثير.

أخيرا وليس آخرا.. الطرق البرية تمنح السائح فرصة وحرية ووقتا أكبر ليشاهد الجمال السعودي بكل أشكاله، عن قرب لا توفره الرحلات الجوية.. لذلك فالسياحة المزدهرة والتي فرضت نفسها بقوة جديرة بالإعجاب وتستحق منا طرقا برية تليق بها.