عندما ترغب في أن تسكن بمكان ما عليك أولاً أن تُحسن اختيار جارك، فقد قيل «الجار قبل الدار»، لم تُقَل هذه المقولة من فراغ، بل تأثيرها يعود عليك وعلى أبنائك وأسرتك بشكل أو بآخر، إن كنت بحاجة إلى مساعدة جيرانك في يوم ما أو هم احتاجوا إليك، فأنت في كلتا الحالتين ستكون محظوظًا إن كان جارك ذا مروءة.

عندما تسكن في مكان ما وجارك ذو شهامة ومروءة وأصالة وخلق ودين فإنك إن غبت عنه سأل عنك وإذا مرضت -لا سمح الله- عادك وزارك وخفف عنك حالك، وإن غاب ذِكْرُكْ بحث عن اسمك في كل مكان، لن يتركك وحيدًا، بل سيكون ظِلُّك الذي يشبهك وسندك الذي يتتبعك بخير.

سيقول عنك نعم الجار جاري ونعم الأخ الذي لم تلده أمي ويصفك بأجمل المعاني، الجار الطيب وذو المروءة نعمة، لذلك ستكون محظوظًا إن جمعتك الأقدار بجار ذي مروءة وشهامة وخلق ودين، فقد قيل في قصة جميلة تحكي لنا واقع حال في زمن غير زماننا، لكن المواقف تتشابه في كل زمان أحيانًا، كان لأبي حنيفة جار قد ابتُلي به لم يكن ذلك الجار إلا عزيز نفس رغم ما يفعله من أخطاء وذنوب، لكن ذلك الجار كان في حاله وغارقًا في أحواله، كل يوم يشرب الخمر ويعود إلى بيته ويغني ويردد أشعارًا تعود للشاعر العرجي يقول فيها: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر.

فكان يفعل ذلك كل يوم وتعوَّد أبو حنيفة على سماع صوته كل يوم، لكنه في يوم ما عندما عاد إلى منزله لم يسمع صوت جاره، ولم يقل لا يهمني أمره ولن أتدخل بشأنه، بل خرج يسأل عنه في منتصف الليل فقد قيل له إن الشرطة قاموا بالقبض عليه وساقوه إلى السجن، لم يقل أبو حنيفة يستحق ما جاءه، بل سعى لإنقاذه، وذهب إلى الوالي واستأذن للدخول عليه، فعندما علم الوالي أن أبا حنيفة بنفسه يستأذن للدخول قام وخرج له ورحب به وقال له أبو حنيفة: إن لي جارًا ما علمت منه إلا خيرًا وقد علمت بأن الشرطة قد حبسوه، بحقي عليك أيها الوالي أن تخلي سبيله، فرد عليه الوالي: سنخلي كل من حبس من يوم القبض على جارك إلى هذه اللحظة بفضل قدومك إلينا، وعندما خرج جاره، همس له أبو حنيفة وقال له: كنت تردد أضاعوني وأي فتى أضاعوا! فهل أضعناك يا جاري؟ فقال له: «لا والله بل أحسنت إليَّ وجزاك الله خيرا».

قد تصادف أحيانًا جارًا ربما يكون ظاهرًا عليه الذنب أو الخطأ، ولكن بداخله من الصلاح الكثير ربما بموقف منك تغير حاله وتكون سببًا في صلاح أحواله وإن لم يحسن إليك فأحسن إليه، وعلى المرء أن يراعي الآخرين خاصة الجيران ويكون نعم الجار، فقد أوصى الله بالجار في قوله تبارك وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).

وكما قال رسولنا -عليه أفضل الصلاة والسلام: «خيرُ الأصحابِ عند الله تعالى خيرُهم لصاحبه، وخيرُ الجيرانِ عند الله تعالى خيرُهم لجاره».

وقد قيل فيما مضى إن أعرابيًا «أراد أن يبيع منزله وكان ثمن المنازل في تلك المنطقة لا يتعدى مائة درهم وقام بعرض داره للبيع بألف درهم، مرّ عليه أحد التجار وقال له بكم تريد أن تبيع دارك؟ فرد عليه: بألف درهم، فقال التاجر: ولماذا يكون ثمنها ألف درهم وهي بمائة؟ أجاب الأعرابي قائلا ومتفاخرًا بجيرانه: أبيعها وأبيع جيرانها».

بمعنى أن جيران الأعرابي من حسن أفعالهم وطيب كرمهم ومروءتهم وشهامتهم وخُلقهم تجعل المنزل أغلى بكثير.

وقد قال الشافعي:

ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه - وصاحبه الأدنى على القرب والبعد

يعش سيدًا يستعذب الناس ذكره - وإن نابه حق أتوه على قصد.

رسالتي: من الجميل أن يكون لديك جار يقف معك كلما احتجته وتقف معه كلما احتاج إليك، وعلى المرء أن يكرم جاره مهما كانت تصرفاته وأفعاله، فالخير مع الجار من صفات الطيبين الأخيار.