حضرت مؤتمر القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض، والتي كانت تحت رعاية ولي العهد السعودي بشعار (الذكاء الاصطناعي من أجل الإنسانية)، وانبهرت في الحقيقة بالمستوى المتقدم للتقنيات العالمية المعروضة في المؤتمر حول الذكاء الاصطناعي، والتي تثبت أن الذكاء الاصطناعي ليس مجالًا إضافيًا بل أصبح مجالًا أساسيًا للنمو وازدهار المجتمعات مثله مثل مجال التعليم والصحة والأمن.
لقد بيّن الوزير عبدالله السواحة، أن إجمالي إنفاق الشرق الأوسط على الذكاء الاصطناعي سيبلغ 320 مليار دولار بحلول العام 2030، وأن إنفاق السعودية وحدها سوف يشكّل 50 % تقريبًا من هذا المبلغ، أي أن السعودية ستكون حتمًا قائدة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط بلا منازع، وستكون ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم في نفس الفترة، واضعين في الاعتبار تفوق السعودية المطلق في معدل النمو على مستوى العالم، والذي بلغ هذا العام أكثر من 7 % حتى تاريخه، إضافة إلى المميزات الأخرى التي تتمتع بها السعودية كونها أكثر المجتمعات فتوة وشبابًا ضمن مجموعة دول العشرين.
ونحن نشاهد هذه الإرهاصات الجيوسياسية شرق أوروبا وأزمة الطاقة التي وصلت لمرحلة كسر العظم بين الدول الأوروبية من جهة وروسيا من جهة أخرى، نرى كيف أن أرامكو السعودية كبرى شركات النفط العالمية تمضي قدمًا في تحولها الرقمي، معتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أعلن رئيسها التنفيذي أمين الناصر مشروع أرامكو الاستراتيجي للتحول الرقمي بعنوان (الممر العالمي للذكاء الاصطناعي) الذي سيتولى تطوير حلول تجارية عميقة للذكاء الاصطناعي وكذلك تطوير المواهب السعودية ودعم الشركات الناشئة واستمرار تنمية وتطوير البيئة وحلول الاستدامة. من بين كبرى شركات العالم تتمتع أرامكو بسجل بيئي متميز مقارنة بالشركات الشبيهة، فلديها أقل معدل انبعاثات كربونية في العالم بمعدل 10 كلغ لكل جزيء مكافئ من ثاني أكسيد الكربون CO2e. كما أن الذكاء الاصطناعي ساعد أرامكو لتقليل 10 % من استهلاك الطاقة في جميع معاملها وحقولها العاملة، وهو إنجاز مشرف يوازي كمية النفط الذي تنتجه أرامكو للعالم بمقدار 10 % أيضًا، حيث تعتبر نسبة الانبعاثات الكربونية للسعودية 1% من إجمالي الانبعاثات العالمية، ولكنها مع تلك الخطوات المهمة ودعمها للشركات الوطنية في هذا المجال ضمن مسيرة رؤية السعودية 2030 ستساهم في خفض كمية الانبعاثات بنسبة تتفوق على ما هو مخطط له. مع العلم أن السعودية لديها هدفها المعلن للوصول للحياد الكربوني بحلول 2060م. ودافعي لهذه الرؤية المتفائلة هو تحقيق أرامكو خفضًا بمقدار 84 % في غازاتها المنبعثة من معاملها. وأرامكو تمتلك براءات اختراع لتقنيات تحبس الغازات المنبعثة وتعديل استخدامها. كما أنها عملت منذ 2020م على التقاط ثاني أكسيد الكربون وإعادة استخدامه بالتعاون مع شركات وطنية تحتاجه في عملياتها الإنتاجية.
لقد رأيت كخبير في مجال الطاقة ومهتم ومحترف في الذكاء الاصطناعي كيف أن السعودية بالفعل تعمل للاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي من خلال استضافتها كبرى الملتقيات وجمعها لأذكى العقول والأكثر إبداعًا في هذا المجال، وتعزيز تواصلهم مع الخبراء والشباب والمهتمين والجمهور في السعودية من المواطنين والمقيمين، وأيضًا من خلال إنشائها المدن الذكية على رأسها مدينة الحلم (ذا لاين) التي ستؤسس على 100 % ذكاء اصطناعي وصفر صافي انبعاثات كربونية وحد أقصى 5 دقائق للوصول لأي وجهة فيها، والتي سيبلغ عدد سكانها ما يلامس المليون نسمة.
لقد رأيت في المؤتمر تقنيات تطوير العمليات الطبية وتقنيات التعليم وتقنيات الصناعة والتجارة وكيف يمكن أن يحوّل الذكاء الاصطناعي حياة الإنسان في السعودية إلى حياة مرفهة وآمنة وسعيدة تدوم طويلًا بصحة وعافية.
في الحقيقة هذا ما يريده محمد بن سلمان من خلال رعايته هذا المؤتمر وتخطيطه نحو التحول الرقمي المجتمعي للسعودية. نحن السعوديين رأينا فقط تلك اللمسات من خلال النجاح الباهر في إدارة أزمة كورونا بالذكاء الاصطناعي، ومتأكد 100 % من أن المستقبل القريب جدًا سوف تكون لغة السعودية في مجالسهم هي الذكاء الاصطناعي كما شاهدت في زيارتي للرياض كيف أن الرياض بالفعل أصبحت عاصمة للذكاء الاصطناعي.