قد نستطيع أن نعرف السلفية في فكرنا العربي الحديث والمعاصر، بأنها نزعة دينية تتخذ العودة إلى الأصول ومن الاستئناس بتراث الماضي، معيارا أساسيا لتقييم الحاضر ومواجهته وصياغة المستقبل، أي هي على حد تعبير و علال الفاسي: «التمرد على الحاضر والاستنجاد بالماضي، واكتساب الطاقة الحرارية التي تنقل المجتمع الجامد إلى السير نحو مستقبله «وهذا تعريف صحيح، ولكنه غير كاف وحده لتحديد معالم الحركة السلفية في فكرنا الحديث والمعاصر».

فالسلفية كذلك، وبشكل عام، حركة وطنية إصلاحية تتسم بالمعارضة والرفض لأوضاع الفساد والتخلف والتشرذم الاجتماعي والتبعية للغرب، وهي دعوة إلى اتخاذ الأصول الدينية وتراث الماضى أساسا للتخلص من هذه الأوضاع.

فإذا انتقلنا من التعريف الأول المجرد، ومن التعريف الثاني العام، وحاولنا أن نتلمس الحركة السلفية في تجلياتها الواقعية المختلفة، لوجدنا اختلافات شتى في الممارسات العملية والتوجهات الفكرية.

فليس هناك سلفية واحدة، هناك أكثر من سلفية تختلف باختلاف العوامل الموضوعية والاجتماعية التي ولدتها وأبرزتها في هذه البلد أو تلك، في هذه اللحظة التاريخية أو تلك. بل هناك أكثر من سلفية داخل السلفية الواحدة ! فقد تبدأ نقطة وموقفا وسرعان ما تتغير وتتبدل عبر ممارساتها، بل قد تنتهي إلى نقطة وموقف البداية ! وما أكثر الأمثلة الحية الماثلة في واقعنا العربي منذ القرن الثامن عشر حتى اليوم. لقد أصبحت بعض الحركات السلفية أدوات لتكريس التخلف وتعميق التبعية بعد أن كانت قد بدأت دعوتها حربا عليهما ! أصبحت أيديولوجيات رسمية للبعض، لإضفاء مشروعية عليها، ولإخفاء تخلفها وفسادها وتبعيتها. على أن: الجانب الوطني الإصلاحي المتمرد على واقع التخلف والفساد والتبعية، لا يزال صفة بارزة لبعض الحركات السلفية المعاصرة، وإن اختلفت مناهجها العملية وتوجهاتها الفكرية، فمن بين هذه الحركات المتمردة نزعات تتسم بالتزمت والجمود وفقدان الرؤية الاجتماعية والتاريخية تماما، ومن بينها نزعات تتميز بالتفتح والاستنارة، كهذه النزعة، أو هذا التيار الفكري الذي أشرنا اليه في نهاية المقال السابق والذي سمينا أصحابه بالسلفيين الجدد.

1981*

* باحث وناقد مصري «1922 - 2009»