يتساءل البعض عن الفرق بين الإسلام والصحوة..! إلى هذا الحد تلبست تيارات الإسلام السياسي بالإسلام فصورته ضيقًا محدودًا ملتزمًا بمنهجية التقليد القديمة.

تراجعت هذه التيارات أخيرًا في كل الدول التي انتشرت فيها، ولكن الملاحظ أنها وإن تراجعت بشكلها التنظيمي إلا أنها ما زالت حاضرة وبقوة عبر خطابها المتشدد الذي تشحن به الشعوب المسلمة، حتى تعالق بوعيها الجمعي، وأصبح الخطاب الوحيد الممثل للإسلام بلا أي خطاب منافس من شأنه أن يحدث بعض التوازن.

كما أن المتأمل للمشهد في بلادنا يرى بوضوح حالة الاحتقان الفكري الناتجة عن غياب خطاب ديني معتدل، يواجه الخطاب المتشدد الذي بات يشكل منطقة الراحة القصوى لغالبية الناس.

لكن يبقى التغيير سنة كونية، وبلادنا تغيرت كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية، وشمل هذا التغيير الخطط الإستراتيجية والعلاقات السياسية والرؤية الاقتصادية والبنية الاجتماعية والنظام التعليمي والصحي والبيئة العدلية ومناحي الحياة كافة، وبما أننا مجتمع متدين بطبعه، يشكل الإسلام مرجعياته وأسلوب حياته، كان لزامًا أن يلامس هذا التغيير الكبير نمط تفكيرنا الديني، فيظهر خطاب وسطي يلغي الخطاب المتشدد، ويقدم وجوهًا جديدة وقراءات معتدلة تعالج الإشكالات والمسائل الدينية، بما يلائم حياة الإنسان المعاصر واحتياجاته.

وفي موضوع التغيير الفكري الاجتماعي تشتهر نظريتان، تتلخص الأولى بتمكين التيار الصاعد ودعمه، فيهبط التيار الآخر تلقائيًا دون تدخل مباشر، إلا أن هذه الطريقة تحتاج وقتًا طويلا وأجيالا متعددة، كما أنها غالبًا تخلف كثيرًا من الفوضى والضبابية، أما النظرية الثانية فتقوم على مبدأ إحلال التيار الجديد مكان القديم بشكل مدروس، من خلال خطط واضحة ومحددة، ويبدوأن هذه الطريقة التي استخدمتها جماعات الإسلام السياسي عبر تاريخها، ونجحت أيما نجاح في الانتشار والتعبئة السريعة وتنظيم الاتباع.

وبما أننا نمر بمرحلة مخاض فكري شديدة، فإنه قد يكون نافعًا أن ندمج الطريقتين لنخرج بآلية تغيير أكثر فعالية وتأثيرًا، ودعونا لا ننسى أن الخطاب الديني المتطرف لا يعيق التنمية والحضارة فحسب، بل إن من أخطر موبقاته اليوم نشوء خطاب إلحادي متطرف كذلك.

خلاصة القول: إن نظرة فاحصة على كل الأطروحات الدينية المعاصرة سواء تلك الصادرة عن النخب والمتخصصين أو تلك التي يكتبها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، سوف تكشف لنا عن ضرورة وجود خطاب ديني تجديدي يصون الدين الإسلامي، ولا يتعارض مع العلم والحضارة وحقوق الإنسان.. يقال إن بعض الأمم تحارب لأجل تغيير الخارطة، بينما تحارب أمم أخرى لأجل خارطة التغيير.