فرضت مخرجات الذكاء الاصطناعي نفسها على حياتنا وباتت جزءا منها، سواء رضينا أو أبينا، ولا يكاد يوجد بيننا من لم يستخدمها بقصد أو بدون. فالأجهزة الذكية التي نحملها وترافقنا في كل خطوات اليوم، والحواسيب التي نمارس أعمالنا بواسطتها، وأنظمة المرور التي تنظم حركتنا وتراقب شوارعنا، حتى أجهزة الدفع الإلكتروني التي نسدد عبرها ثمن طعامنا هي بعض تلك المخرجات.

ولأن المملكة ليست استثناء من هذا العالم بل جزء منه تؤثر فيه وتتأثر به فقد استشرى انتشار تلك الأدوات وتزايد استخدامها، بل إن تطبيقاتها دخلت حتى الحرمين الشريفين، فهناك الروبوتات التي تقوم بعمليات التعقيم، لا سيما خلال انتشار وباء كوفيد – 19، وتلك التي كانت تصطف على جانبي الطريق لتقدم الماء البارد للحجاج. كل هذا لا خلاف عليه ولا يستطيع أحد أن ينكره.

الجانب الجدير بالتركيز عليه هو أننا نريد استخداما أخلاقيا لتلك الوسائل، وأن نطوعها لما فيه خيرنا ومصلحة مجتمعنا، فكما أنها ليست شرا مطلقا، فهي كذلك يمكن أن تحمل جوانب سلبية. لذلك فإن أكثر ما نحتاج إليه هو تسخير المخرجات العلمية لنهضة المجتمع، وتوجيهها لإحداث النهضة والتطور.


وفي تقديري الخاص فإن أبرز الجوانب التي نحتاج في المملكة إلى توظيف مخرجات الذكاء الاصطناعي فيها هي الجانب الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي، فالزراعة لم تعد تلك المهنة القديمة التي تتطلب مساحات شاسعة من الأراضي وكميات هائلة من المياه، خصوصا في ظل شح المياه لدينا وتناقص مستويات المياه الجوفية، فالمزارع الرأسية باتت تتسيد الموقف، والسعودية التي توصف بأنها صحراء يمكن أن تحقق أمنها الغذائي وتستغني عن استيراد الخضروات والفواكه، وكمية بسيطة مما يعرف بالبذور السحابية يمكنها أن تنتج - باستخدام أنظمة الري الذكية - كميات هائلة من المحاصيل الزراعية تساوي أضعافا مضاعفة لتلك التي تنتجها البذور التقليدية التي نعرفها.

كذلك نحتاج إلى المزيد من توظيف هذه الأدوات الذكية في المجال الصحي، لا سيما مع ما نشاهده من قدرات هائلة للأجهزة المتطورة في مجالات تشخيص الأمراض وصناعة الأدوية، بل إن العمليات الجراحية المعقدة في كثير من الحالات صارت تجرى بواسطة تلك الأجهزة، حيث يقتصر دور العنصر البشري على الإشراف والتوجيه والبرمجة وتحديد المطلوب. كل هذا مطلوب، إضافة إلى تطويع التقنية لاستخدامها في مجالات أخرى مثل الأمن والسلامة ونشر المعرفة وتطوير الأجهزة المكتبية.

أما الجانب غير المشرق الذي نرجو ألا نراه فهو تلك المخاوف المنطقية من احتمال قيام بعض الدول الكبرى ذات الإمكانات العلمية الهائلة والتي قطعت شوطا كبيرا في ميدان الذكاء الاصطناعي لتوظيف التقنية للمزيد من الهيمنة وفرض السيطرة على الآخرين، واستغلالها لإنتاج المزيد من أسلحة الدمار الشامل التي ربما تهدد وجود الحياة على هذا الكوكب، وهو ما يطلق عليه الاستخدام غير الأخلاقي واستغلال القدرات العلمية.

حتى على الصعيد المحلي فإن أكثر ما نخشاه هو لجوء بعض رجال القطاع الخاص إلى تقليل استخدام الكادر البشري والاعتماد على تلك الوسائل، خصوصا في ظل توجه الدولة نحو إيجاد المزيد من الفرص الوظيفية للشباب لتقليل معدلات البطالة. ببساطة فإن ما نحتاج إليه هو تسخير وسائل التقنية وتطويعها لما فيه مصلحتنا وخيرنا ونمائنا، وأن تكون بالفعل أدوات لرفاهيتنا وازدهار مجتمعنا.