تشترك الأوطان جميعها في أساسين مهمين تقوم عليهما هيكلتها وبناؤها، هذه الأساسات هي الحكومة والشعب.. أما اختلافها فيكون في حجم قوة الأسس التي تبنى عليها من خلال المرونة والانسجام والحب والولاء المتبادل، أما فعالية وصلاح كل منهما فله معايير يقاس بها، فصلاح الحكومات يقاس بصدقها وشفافيتها ونزاهتها وفي عملها بإيثار وعطاء لمصلحة شعوبها بما يكفل لهم الحفاظ على الأمن والكرامة..وبالمقابل يعتمد قياس قوة الأساس الآخر (الشعب) على الحب والانتماء والولاء الذي تظهره الشعوب لحكوماتها قولا وفعلا، وأيضا على وعيهم وإحساسهم بأهمية مشاركة الحكومات في المحافظة على قوة الدولة من خلال الوعي بالمعنى الحقيقي للولاء والانتماء.. الذي ينتج عنه الإخلاص في العمل، والمشاركة في بناء بنية تحتية صلبة من نسيج وطني ومجتمعي قوي ومتماسك، تنتج عنه إنجازات كبيرة وناجحة تستند على الانسجام بين الوطن والمواطن لأمن وأمان يطمئن به المواطن على نفسه وماله وعرضه، وعلى تنمية مستدامة وقوة ممتدة ورفاهية تحقق له احتياجاته لتتدرج إلى أن تصبح جودة حياة تليق بالوطن والمواطن.

في اليوم الوطني الـ 92 من عمر بلادنا الطويل والممتد بأمر الله..من الجميل أن يكون لنا احتفالات عامة نشترك بها كمؤسسات وشعب نعبر من خلالها عن فرحنا كمواطنين بدولتنا العظيمة، ومن المهم أن نتناقل مظاهر الفرح والسعادة بوطن العز ونتداول مقاطع البهجة الإيجابية لتنتشر باتساع متجاوزة دائرة الوطن وحدوده إلى العالم بأسره، ليرى فرح المواطن السعودي بوطنه، ومن المهم ألا نغفل عن نقل مظاهر الفرح الذي يشاركنا فيه إخواننا المقيمون على أرض الخير والبركة، ليرى العالم أيضا أننا على هذه الأرض إخوة متحابون، ولكي نعبر لهم أيضا عن امتنانا لمشاركتهم لنا في فرحنا.

ولكن مع كل مظاهر الفرح ومهرجاناته الوطنية التي ننتظرها بلهفة منذ بدأنا نشعر بلذة الاحتفال باليوم الوطني، ما أجمل أن يكون لنا احتفال خاص، نجلس فيه بصدق مع أنفسنا ونضعها أمام اختبار صادق لمدى قوة العلاقة بين الحكومة والشعب، ونسأل أنفسنا:

هل فعلا نحب الوطن.. ولماذا نحبه..؟

عند الإجابة وحتى نختبر قوة الحب بصدق، علينا أن نشد رحال المعرفة ونحن ننتقل فوق سنام التاريخ، مسافرين في رحلة عبر الزمن الماضي، ننيخ ركاب الإعجاب والتقدير عند قصص توحيد هذا الوطن وعند مآثر مؤسسه طيب الله ثراه، وعند كل قصة أو أثر وصل إلينا من عمق الزمن لندرك كم تعبوا رجالا ونساء من أجل ما نعيشه الآن.

علينا أن نتأمل في كل عهد من عهود ملوكنا العظماء، وبكل تحد واجه عصره وكيف بقي اسم هذه الدولة خالدة الشموخ عاليا، رغم كل التحديات التي بدأت بتوحيد البلاد وما تبعها من مواقف المملكة، والتحديات التي واجهها ملوكنا في القضايا المختلفة، من القضية الفلسطينية إلى حرب الخليج إلى أحداث 11 سبتمبر إلى جائحة كورونا.. أحداث وتحديات كثيرة كان من الممكن أن تؤثر علينا سلبا، ولكنها بحكمة قادتنا أضافت لنا الكثير بفضل الله.

رحلة كفاح ونجاحات وإنجازات بدأت قبل ما يقارب قرناً من الزمان، رحلة عانى فيها أجدادنا من وعثاء سفر التاريخ ورمضاء التعب الذي كانوا يمسحون أثره بفاعلية فرح الوصول إلى الأهداف، والمحافظة على منسوب الرفعة والقوة والمكانة العالمية العالية مهما كان حجم التحديات.

رحلة فخر طويلة بدأت من عمق التاريخ إلى أن وصلت بنا إلى زمن الرؤية العظيمة التي كان لها سمو ولي العهد محمد بن سلمان صانعا وعرابا، حازما في تذليل كل عقبة تعترض طريقها.. وعازما على الوصول بها إلى خط نهاية مرحلة لتبدأ بعدها مراحل جديدة من منجزات سعودية ترتفع إلى سماء العالمية.

في عهد سلمان الحزم والعزم وولي عهده عراب الرؤية، نفتخر بمحاربة كل فساد، وبمشاريعنا العظيمة التي تسابق الزمن لتكون واقعا يبهر العالم ويجعلنا قدوة لغيرنا، وبتمكين النساء الذي يجعل المرأة السعودية تفتخر بنفسها وبقيادتها ووطنها، وبمواقف سياسية واقتصادية تجاه أحداث عالمية جعلت العالم كله يعرف حزم المملكة العربية السعودية كدولة ذات استقلالية رأي ومواقف وسيادة وحكمة فريدة من نوعها، تجعل العالم كله يطلب ودها وهو يرفع لها قبعاته احتراما.

نعرج من هنا إلى دور المواطن الذي يجب أن يكون واعيا تماما لما يحدث في وطنه .. مدركا بعمق أهمية الدور المطلوب منه لتعزيز قوة هذا الوطن، مرناً في تقبل المتغيرات وهو على ثقة أن الدولة ترى الأمور من زاوية أكبر بكثير مما نراها بها كمواطنين، وبالتالي هي تعمل لمصلحتنا في المقام الأول والأخير.. علينا أن نكون عونا لمؤسساتنا المختلفة بعدم الانسياق وراء الشائعات والتي تحدث زوابع داخل عالم الإعلام الجديد قد تضر بالوطن الذي يتعب كثيرا من أجل الاستقرار والأمن والمكانة الرفيعة التي نتمتع بها كدولة وشعب.

في يومنا الوطني.. علينا أن نتذكر جيدا أن واجبنا كشعب، الثقة التامة بقيادتنا ومؤسساتنا، وعلينا أن نعمل بجد وولاء وصدق من أجل هذا الوطن ومن أجل حياة تليق بنا وبه.

علينا أن نجلس مع أنفسنا جلسة صراحة وطنية نحتفل فيها بيومنا الوطني فكرا وعاطفة وعقلا.. وعندها سنجد أننا وطن منَّ عليه الله بالثقة والانسجام والمرونة والحب المتبادل.. بعدها نسجد لله شكرا على نعمة السعودية وأننا ننتمي إليها..

وختاما .. كل عام ووطني من علو لعلو وأنا به بعز وفخر.