شهدت مدينة أبها منذ الثمانينات الهجرية ولمدة عقدين تقريبا إقامة الاستعراض السنوي الكبير الذي كانت تُعده وتُنظمه وتُخرجه الأسرة التعليمية بأبها من إدارة ومعلمين وطلاب وموظفين.

وخلدت تلك الاحتفالات السنوية كوكبة من الأبطال في المسابقات الرياضية ونجومًا في الأعمال الفنية والعلمية والثقافية والمسرحية، حيث أعطى حضورهم اللافت وإبداعاتهم آثارًا إيجابية وقدوة حسنة للأجيال.

وتفوقت إدارة التعليم بأبها آنذاك على نفسها من خلال الإعداد المبكر والجيد لفقرات الاحتفال الذي ينتظره سكان أبها والقرى المجاورة كل عام بحضور أمير المنطقة وكبار المسؤولين من وزارة التربية والتعليم والإدارات الحكومية.

ويستغرق الإعداد أسابيع من التدريبات المكثفة ومن ثم إقرار البرنامج النهائي والإعلان عن موعده بعد أن يتم اختيار المشاركين من الطلاب المميزين والمبدعين والمتفوقين دراسيًا ورياضيًا الذين يشعرون بفرحة غامرة لمشاركتهم وحصولهم على ملابس جديدة من الفانيلات، الشورتات، الجوارب، الأحذية الرياضية ملابس الكشافة والأشبال، ويفتخرون بها أمام عائلاتهم وجيرانهم وأقرانهم.

وتطلب إدارة التعليم ممن لديهم موهبة الشعر من المعلمين كتابة قصيدة لاختيارها في الحفل كنشيد جماعي بعد تلحينها بمشاركة فرقة موسيقى القوات المسلحة.

وعادة ما تتغنى بأمجاد بلادنا وقادتها وتاريخها ونهضتها وخدمتها للمسلمين ومواقفها المشرفة في العالم.

وحين يأتي يوم الاستعراض الكبير ترتدي ساحة البحار بأبها أجمل حللها وزينتها وقد أحاطت بها الأعلام الملونة واللوحات الفنية المعبرة والرسومات واللافتات المعلقة وعقود الكهرباء، فيما طوقت مئات الكراسي الجهات الثلاث للجمهور وتم تخطيط الأرض مربعات ودوائر بدقة متناهية كل فرقة تعرف مسارها ومكان توقفها وخُصصت الجهة الغربية للمنصة للضيوف.

في حين تكتظ سطوح المنازل وشرفاتها في حي القرى بعشرات الأُسَر من أحياء أبها الذين يتلقون دعوات أهل الحي لاستضافتهم ومنحهم فرصة المشاهدة عن قرب.

ويبدأ الاحتفال بالسلام الملكي ثم طابور العرض بمشاركة فرقة الموسيقى وتشكيلات رمزية من الكشافة والأشبال وحملة السيوف والأعلام والفرق الرياضية، يتقدمهم علم المملكة وصورة الملك وولي عهده ثم طلاب المدارس في مسيرة منتظمة.

ويتولى التقديم والتعليق في الحفل أساتذة اللغة العربية بأصواتهم الإذاعية ولغتهم السليمة ومنهم محجوب الخير رحمه الله من المدرسة العزيزية، أحمد العتيلي رحمه الله، إبراهيم أبوعجمية وغيرهم.

وبعد أن يصل العرض العام إلى نهايته يبدأ المشاركون النشيد بمصاحبة الفرقة الموسيقية في منظر مُهيب وأداء جميل وأجواء وطنية يتردد صداها أحياء أبها وساحاتها وجبالها وما زالت حتى اليوم أجيال تتناقل كلمات تلك الأناشيد ومنها قصيدة «من هذه الصحراء» بلحنها الجميل للمعلم الشاعر «إبراهيم الشعبي»، وجاء في مطلعها:

«من هذه الصحراء أرض المجد

أرض المعجزات

من أرضها سطع الضياء وقيل

حي على الصلاة.

من هذه الصحراء فجرنا

ينابيع الحياة

في كل خطب نسأل الرحمن

يلهمنا الثبات»

ويستمر الاحتفال بفقراته المتنوعة ومن أبرزها لعبة الكراسي الموسيقية ولعبة شد الحبل للعاملين في خدمة المدارس ولعبة دائرة الشعلة الملتهبة والقفز بالزانة ومن أبطالها عبدالرحمن أبوملحة وأحمد الشريف وصالح بن مسفر -رحمه الله- فيما يسيطر على الفوز بسباق مائة متر وسباق (قاهر الرجال) أربعمائة متر العداء بطل عسير عبدالرحمن حرقان -رحمه الله- إضافة إلى عرض الملاكمة للرياضي عبدالله نشاط. ومنافسات رمي الرمح والقرص، دفع الجلة، الجُمباز،الوثب الثلاثي، سباقات الحواجز والتتابع.

ومن هنا أدعو إدارة التعليم بمنطقة عسير أن تُعيد فكرة إحياء (مهرجان التعليم) مرة واحدة كل عام ليصبح ضمن برامج السياحة أو احتفالاتنا الوطنية، وتنطلق البداية من مدارس أبها وبعد تقييم التجربة ونجاحها يمكن تعميمها على إدارت التعليم في المنطقة.

والجميع يتفق على أن تلك العروض السنوية ودوري المدارس ساهمت في سلامة الأبدان والعقول وصنعت أجيالًا عشقوا التنافس، وأصبحت الرياضة تسري في دمائهم وروح الجندية بكل نظام وانضباط حديث نفوسهم والفخر بالوطن متوهجًا في قلوبهم.