في فيلمه الرائع «The Pursuit of Happyness» استطاع الممثل ويل سميث، أن يقدم الحلم الأمريكي نحو الثروة والسعادة في قالب درامي معبر، يتضمن كثيرا من الرمزيات والإسقاطات البارعة. ولعل أهم سبب لاختياري هذا الفيلم؛ أنه يصور جري الإنسان المعاصر للبحث عن السعادة في أرجاء المدينة الحديثة. وسط أحداث الفيلم ستجد أن أول ما يثير انتباهك «سميث» وهو يركض مسرعا طوال دقائق الفيلم، للحاق باجتماع مجلس الإدارة، ويركض للحاق بوسائل المواصلات، ويركض للوصول في الموعد المحدد لمقابلة عميل أو حضور دورة تدريبية. فهو على استعداد للذهاب إلى أي مدى والعمل قدر المستطاع لتوفير حياة كريمة لابنه الوحيد.

في قلب سان فرانسيسكو أحد قلاع الرأسمالية الحديثة، أراد كريس غاردنر -أمريكي من أصول إفريقية- تحقيق حلمه بالثراء، في مدينة تتمتع بالتعددية العرقية، وفي المدن عادة ما يترجم التمييز العنصري إلى تفاوت اجتماعي واقتصادي. يحكي الفيلم قصة «غاردنر» الذي عاش حياة الفقر والتشرد، واستمر ليصبح رجل أعمال ناجحًا، أسس وأدار شركته الخاصة للوساطة المالية في التسعينات. بدأ حياته مندوب مبيعات، باع كل مدخرات أسرته لشراء أجهزة «المسح الضوئي لقياس كثافة العظام»، وأصبحت حياته معلقة على بيع هذه الأجهزة التي لا يرغب الأطباء شرائها، تدهورت أوضاعه المالية، وتأخر عن سداد إيجار شقته المستحق منذ ثلاثة أشهر، فطردهم المالك، فأصبح كريس وابنه بلا مأوى. ومع تصاعد مشاكل الأسرة المالية تتخلى عنه زوجته وتهاجر لنيويورك لحصولها على عرض وظيفي أفضل، تاركة وراءها زوجها وطفلها الوحيد.

يوضح الفيلم كيف يربط الناس السعادة بالثروة والأشياء المادية كالسيارات الفارهة والبيوت الجميلة وحياة الأثرياء، لدرجة أن الأم لديها استعداد للتخلي عن طفلها، والتفريط بحياتها الزوجية جريا وراء حلم الثراء والاستقلال الاقتصادي. ففي المدن الحديثة أصبحت المشكلات الاجتماعية موصولة أكثر فأكثر بالمشكلات الاقتصادية، وأصبحت ثقافة الأسواق تسيطر على الإنسان، وتفرض عليه اتجاهات قد لا يفضلها.

وفي أكثر اللحظات المؤلمة عندما يجد غاردنر نفسه مشردا بلا مأوى بعدما طرده مالك الشقة التي كان يسكنها، وبعدما ضاقت عليه السبل لم يجد غير مرحاض في إحدى محطات القطار لينام مع ابنه الصغير، وفي لحظة ضعف قاهرة يجد الرجل القوي «غاردنر» نفسه ينهار بالبكاء الحار بينما ابنه نائم، في مشهد حزين ومعبر، يحمل العديد من الدلالات والمضامين الاجتماعية، فأحداث الفيلم تصور بشكل غير مباشر أثر المدن الحديثة في الإنسان، وكيف تجعله تحت الضغط النفسي الدائم والمستمر في سبيل الحصول على أبسط أساسيات الحياة ومنها المأوى والطعام والترابط الأسري.

عنوان الفيلم «The Pursuit of happyness» أو السعي نحو السعادة، يحمل دلالات كثيرة ومتنوعة عن سعينا الحثيث نحو السعادة. ولكن ما السعادة التي نطمح إليها ونبحث عنها؟ فالسعادة قد تعني شيئا روحيا لشخص ما، وقد تعني الاستقرار الأسري للبعض وراحة البال لآخرين والقائمة تطول. فماذا تستطيع المدن الحديثة أن تقدمه لنا وما المقابل؟