﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أَيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا﴾.

التعدد في الإسلام أمر مشروع لحكمة من الله تعالى جعل فيها الحل لبعض المشاكل الاجتماعية التي ما شرع الخالق التعدد إلا لأنه يعرف سبحانه أنه الحل الأمثل لها، لذلك فالنقاش في أصل إجازة التعدد يؤدي إلى جدل عقيم لن نخرج منه بفائدة. لذا فمن الأجدى أن نطرح موضوع التعدد على طاولة النقاش العقلاني، ونتناول تفاصيله بموضوعية تامة تحفظ القبول والتسليم بأصل حكمة التعدد، وأنه ما زال صالحا لهذا الوقت كحل لبعض المشكلات، مع تنقيته مما علق به من شوائب فكر مجتمعي أو ذكوري، أو أي سبب آخر استغل إجازته شرعا ليصبح للوجاهة الاجتماعية، أو المتعة الجسدية، بحجة اللعب على وتر العفة والقضاء على العنوسة وغيرها من الحيل التي جعلت التعدد يمارس بلا ضوابط تحافظ عل سلامة الأسرة والأبناء والمجتمع من نتائجه وتبعياته.

لو رجعنا إلى أول ظهور الإسلام وإلى ما يقارب القرن من الزمان، لوجدنا أن المجتمعات كانت صغيرة متباعدة، الحياة فيها تعتمد على الترحال الطويل لطلب الرزق والعيش وسط صحارى شاسعة مليئة بأخطار الطرق وقطاعها، وفي مجتمعات كثيرة الحروب، القتال فيها يعتمد على أسلحة تحصد أرواح الرجال، وغير ذلك من الأسباب التي يخرج إليها الكثير من الرجال ولا يعود إلا القليل.. مما يسبب اختلالا في توازن التركيبة السكانية للمجتمعات في ذلك الوقت، فكان لابد من التعدد لزيادة النسل كحل ممتاز للمحافظة على التوازن بين الجنسين. وهذا كان الحل الأمثل الذي يقابله تقبل مجتمعي لفكرة التعدد التي كانت سائدة، ويكاد لا يخلو منها بيت في ذلك الوقت بدون مشكلات اجتماعية أو إهمال أو تقصير بحق النساء أو الأبناء، تصاحب هذا التعدد.

مع تغير الوقت وتقدم المجتمعات، واستقرار سبل العيش وكسب الرزق، ومع تحول الحروب إلى أشكال أخرى لا تستهدف أجساد الرجال بقدر ما تستهدف العقول والفكر، وبالتالي تغيرت أسلحتها، تحول التعدد إلى وجاهة اجتماعية، وإشباع للغريزة، أكثر مما هو حل لمشكلات اجتماعية.

أغلب الفتاوى التي بحثت عنها لكتابة هذا المقال ترجع تشريع التعدد لأسباب تتعلق بالإشباع الجسدي بالدرجة الأولى للمحافظة على عفة الرجال والنساء، وبدقة أكبر هي حرص على راحة الرجل وإشباعه لغريزته في حال سفره أو تعطل المرأة عن إشباع زوجها في حالة الحيض أو النفاس أو المرض. مع توصية وتحذير للمرأة من استنكار هذا الشيء وإن كرهت الضرة، لأن فيه - من وجهة نظر من أفتى - السعادة للجميع ولو حصل على المرأة بعض الأذي من الجارة.

وهنا يجب أن تكون لنا وقفة، فالتعدد شرع لأسباب، ممكن أن تحصر بالوقت الحالي في عدم قدرة المرأة على الإنجاب، أو لمرضها مرضا عضالا لا يرجى شفاؤه، مما يستوجب زواج الزوج من أخرى مع منح المرأة حرية القبول أو الانفصال بتراض. وربما تكون هناك أسباب أخرى تسمح بذلك، ولكن في ظروف محدودة مع مراعاة العدل وعدم الظلم للمرأة أو الأولاد إذا كان هناك أبناء قبل أن يطرأ أمر مستجد يسمح بزواج الأب من أخرى.

أما عشوائية التعدد ومحاولة الترويج لها على أساس شرعي مبني على تحقيق العفة من باب إشباع الغريزة، فهذا أمر له عواقب وخيمة على المجتمع، فشرعا لا يجوز قهر النساء بالنساء من باب التأديب، ولا يجوز أيضا الزواج من مثنى وثلاث ورباع لإشباع الجسد فقط، وبعد ذلك يطلق ويتزوج من أخريات، وهكذا بدون تفكير بنتائج ذلك على النساء والأطفال والمجتمع، فهناك حقوق معنوية ونفسية ومالية للنساء وللأبناء يجب ألا تضيع وسط الفهم الخاطئ لمشروعية التعدد، وهناك مسؤولية تتعلق بالعدل والحقوق والواجبات، وبما يجب أن يحيط بالأبناء من رعاية تشمل الرعاية النفسية والاجتماعية، وحق التعليم والصحة والمحافظة على جودة حياة للأطفال وللأبناء بشكل عام، تجعلنا نحرص على مخرجات أسرية تشكل موارد بشرية سليمة نفسيا واجتماعيا، تستطيع المحافظة على البناء السليم للمجتمع، وبالتالي تحافظ على قوة الوطن ونمائه.

أيضا يجب أن نتنبه إلى تناول موضوع التعدد في منصات التواصل أو وسائل الإعلام، نحن لسنا بحاجة إلى ترويج قصص التعدد الخاطئة، بقدر ما نحتاج إلى التوعية باحترام مشروعية التعدد كحل إلهي عظيم، شرع لنا لعلاج حالات محددة، لا أن يكون سببا في مشكلات اجتماعية كثيرة.

أخيرا وليس آخراً.. موضوع التعدد يحتاج منا في الوقت الحاضر لمناقشته بموضوعية وجرأة وحلول تعتمد على الشرع الصحيح، لنتجنب كثيرا من المشكلات الاجتماعيه التي قد تضرنا نتيجة ممارسته دون وعي واستيعاب للحكمة من مشروعيته.