أهنئ رئاسة مجلس الوزراء بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أصبح رئيسًا لها، فكما كانت تشرف برئاسة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهي الآن تزدان برئاسة الأمير المبدع محمد بن سلمان.

هو قرار من ملك حازم شجاع حكيم، ينظر لمصلحة وطنه وشعبه، وأنا كمواطن أرفع أجمل التهاني للأمير المبدع بهذه الثقة السامية التي لا شك أنه لها فهو القوي الأمين.

ماذا أقول في الأمير المبدع محمد بن سلمان، لقد صدم محترفي لي أعناق الحقائق الذين كانوا يمنون النفس بأن يجدوا في رؤيته عند التطبيق إخفاقًا كما كانت تصور لهم ضغينتهم، وأنا هنا لا أتكلم فقط عن المشهد في بعض الدول كإيران وبعض من يدور في فلكها، والتي غالبا تحكمها ميليشيات ولكن أعني أبعد من ذلك، فالعالم أصبح شبه قرية يتعارف فيها حتى الأفراد ناهيك عن السياسيين والاقتصاديين وغيرهم.

هناك ميديا غربية ربما لا تجيد التطبيل، لكنها تجيد الإساءة، وخاصة للمسلم والعربي الأصيل الأمين على دينه وعروبته ووطنه، فإذا ظهر من هذه الأمة قائد واعد لا بد أن يبحثوا عن نقاط يتصورون أنها قد تعرقل مسيرته، ولو كانت من قبيل التصرف الذي يقدم عليه أي إنسان على سطح الأرض، لكنهم يحورونه ويضخمونه، وإن لم يجدوه فتلك ليست قضية، فثمة ملفات تؤلفها المخابرات وتنتقي لها العيوب التي تتنافى مع قيم وطنه بشكل خاص، ومع المجتمع الدولي بشكل عام، حتى ينالوا من كل من يشب عن طوق التبعية سواء الغربية أو الشرقية.

وأعود إلى قرار الملك الحكيم بتعيين ولي العهد رئيسًا لمجلس الوزراء، فقد تحدث المحللون عن هذا القرار وأفاضوا وخاصة بما يتميز به ولي العهد من رؤية ثاقبة وعمل دؤوب.. وربما لا أستطيع أن أزيد على ما قالوا، إلا أن هناك خصلة ضمن مناقب ولي العهد، ربما لا يعلمها إلا القلة، وهي خصلة الكرم الجزيل، فهو بما منّ الله عليه من خصلة الجود وندي اليد يعطي بسخاء، ولا يرضى بالكفاف.. وقد يقول سائل ليس من باب التعجب ولكن من الفضول، وما علاقة ذلك بهذا الحدث الجميل، فأقول إن الكريم لن يبخل على مشاريع وطنه التي ستعود بالخير على شعب هذه البلاد الوفي المحب المخلص، ولو تابعنا حجم المشاريع التنموية في السنوات الأخيرة لأدركنا حجم النقد الذي ضخ مباشرة في عصب الاقتصاد الوطني.

أضف إلى ذلك جعل ذلك المال خالصا مقننا ومرشدا لصالح المشاريع، يعني بالعربي الفصيح عدم تسربه لمصالح خاصة أو ينفرد به من له صلة أو جاه.

وبإيضاح أكثر، لو ضربنا مثلا لمشروع إنشاء مطار في الربع الخالي ربما كان سيكلف عشرين مليارًا، لكنه بعد المتابعة والترشيد والمحاسبة سيكلف عشرة مليارات، هذا المال الذي كان مهدرا سيصب في مصلحة مشروع آخر لصالح الوطن، ولن يذهب لأيدٍ فاسدةٍ مهما كان موقعها، بل ذهب لمصلحة الوطن ليعيش كل فرد من الشعب في وضع كريم، وليضمن له عملًا لا يجعله في ضائقة.

نتائج ذلك ليست كلها آنية، لكنها آتية وكل آت قريب.

أما الحديث عن كرم سموه المباشر مع كل من نصاه وهو محتاج فلا يعود إلا وهو مجبور الخاطر قرير العين فحدث ولا حرج.

إن تبوء ولي العهد هذا المركز العظيم ذي المسؤولية الضخمة هو تكليف صادف مكانه وزمانه، ومما لا شك فيه أن ولي العهد سيعظمه بتوجيه الملك الحكيم، ومن ثم بأفكاره وإبداعاته وشخصيته التي أستطيع أن أسميها الشخصية المتكاملة، فله -حفظه الله- في كل حقل من حقول الإدارة والاقتصاد والسياسة معلم.

الرؤساء كثر، وليس كل رئيس قائد، والقادة كثر كمراكز ولكن ليس كل من تبوأ منصب القائد يستحق أن يطلق عليه ذلك اللقب.

إن القيادة موهبة وهذه يمن بها الله على عباده ولكن تحتاج إلى استكشاف من الذات ثم إرادة، ومن بعد العمل على صقل تلك الموهبة، والطموح الذي ستكافأ مع الآمال والأهداف، والعمل للوصول إلى المستهدف، ومن بعده تأتي الحكمة من القائد الذي يتساءل هل وصلت لمجرد أن أكون في هذه المحطة وكفى، وهذه نقطة مفصلية مهمة، أم يظهر شخصيته ويبلورها، رافضا أن تكون مجرد شخصية عادية رغم الموهبة واستكشافها، بل يعضدها بالعزم والإرادة.

يقول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وعلى قدر الكرام تأتي المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

فالشخصية ذات العزم، الملهمة المقدامة لا تتوقف، لأنها ولدت كي تستمر في العطاء والتقدم.

قلت في مقال سابق «إن باولو كويلو، وهو روائي وقاص برازيلي مبدع، ومن أشهر قصصه «الخيميائي» التي ترجمت لأكثر من لغة، وباعت ملايين النسخ قال في قصة قصيرة نشرها: «كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها إلى قطع صغيرة، وقدمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة صحيفته، ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة!

فتساءل الأب مذهولا:

هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟!

رد الطفل قائلا:

لا.. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم».

كانت عبارة عفوية، ولكنها كانت عبارة جميلة وذات معنى عميق «عندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم»، وولي العهد، وهو الرجل المنجز المبدع، جعل محور الرؤية ومفعّل عناصرها الإنسان فهو الحلم، وتطوره ورقيه هو تفسير الحلم، لقد جعله عنوانًا لكل المبادرات الخلاقة، فبنى قدرات الإنسان الذي هو اللبنة الأساسية في تقدم ورفعة الأوطان، وأجبر التاريخ ليقف مهابة، ويكتب تلك الملحمة الثرية وهو شامخ وطَرِب.

التاريخ لا يكذب فهو الشاهد الصدوق الذي لا يجامل ولا يتحيز أو يتحامل.. فهنيئًا لهذا الوطن بأمر خادم الحرمين بتعيين ولي العهد رئيسًا لمجلس الوزراء.

إنها النظرة الثاقبة للملك الحكيم سلمان بن عبدالعزيز التي لم تخب قط في اختيار الرجال والتي عنوانها الفارس المتمكن في المضمار المناسب، ومحمد بن سلمان كان ولا يزال أيقونة وسيد تلك العناوين.