تشكل مناطق المملكة العربية السعودية لوحة فسيفسائية متنوعة، تُكوِّن في مجموعها نسيجًا اجتماعيًا وجغرافيًا مميزًا، حيث يجمع بين هذه المناطق روابط الدين واللغة والانتماء لهذا الكيان الكبير، واللحمة الوطنية مع قيادته.

أحببت أن يكون محور حديثنا اليوم عن منطقة القصيم وهي إحدى المناطق الثلاث عشرة من مناطق المملكة، والتي تتميز بأنها منطقة جمعت بين صفحات ماضٍ زاخر، وحاضر جميل في ظل التنمية الشاملة والمتوازنة لكل مناطق المملكة العربية السعودية ولله الحمد.

ومن أجمل ما يُذكر عن هذه المنطقة معنى كلمة القصيم البديع، فالقصيمة هي ما سهُل من الأرض وكثُر شجره، كما أنها منبت الغضا وهي شجرةٌ حين تُذكر يَرِدُ في البال الدفء بعد البرد، وروعة اللقاء بعد الفقد، وهذه المعاني يبدو أنها صبغت كذلك أهلها بهذه الصفات فهم كثيرو الكرم، ويحبهم من قرُب منهم بسبب طيب معشرهم ودفء أرواحهم، وكثرة خيرهم كأرضهم التي عاشوا عليها.

ومن أبرز ما يجعل القصيم مقصدي للكتابة هو تلك الإضاءات التاريخية والحضارية اللامعة لأهلها على مر العصور، والتي تركت بصمةً لا تُنسى، وسمةً تصبغ الكلمة وأهلها، وتجعل السامع يستبشر عند سماع كلمة (القصيم)، فموقعها المميز في قلب جزيرة العرب جعلها موطنًا للقبائل العربية العريقة منذ فجر التاريخ، ويكفي أن تكون عيون الجواء موطن الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد الذي أشعل قلوب محبيه حماسةً بشعره الجزِل الذي يموج بالوجدان حين قراءته، وفي العصر الإسلامي يشكل طريق درب زبيدة علامةً بارزة على حضور المنطقة في الذاكرة الإسلامية منذ دخول قبائلها في الإسلام بعد غزوة الحديبية، وتجذر الثقافة الإسلامية عند أهلها منذ ذلك الحين.

كما أنه لا تُذكر القصيم إلا ويُذكر العقيلات، وهم رجال من القصيم وبصمةٌ من بصماته التاريخية والحضارية، حملوا على عواتقهم نقل ثقافة بلدهم جنبًا إلى جنب مع تجارتهم التي جالوا بها بلاد العرب من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، ومن أجمل ما كُتب عن هؤلاء القوم كلامٌ نفيس لعلي الطنطاوي حين قال: ولم ينفرد أهل الشام في البراعة في التجارة، بل كنت أرى وأنا صغير جماعة من أهل نجد يمشون إلى العراق وإلى الشام، وقد استقر فريق منهم فيها، رأيتهم في الزبير لما ذهبت ماشيًا إليها مع طائفة من تلاميذي في البصرة، ورأيتهم في البصرة وكانوا من وجوه أهلها، وكان هؤلاء النجديون يعرفون عندنا بالعقيلات يتاجرون بالإبل وغير الإبل، ويدلون القوافل على الطريق لما كان الحج بالبر، وكانوا معروفين بصدق القول، واستقامة السيرة، وحسن المعاملة.

وهذا الحديث عن العقيلات من رجل رآهم بأم عينه لا يشملهم فقط، بل هو الشائع عن رجال القصيم، ورجال المملكة العربية السعودية عمومًا، والعقيلات هم عينة ممثلة للمجتمع نشروا قيم الفضيلة والصدق، ومثلوا بلادهم خير تمثيل، وهنا نقول إن البصمة الحقيقية لأي وطن هو ما ينشره أهله من قيم ومثُل وأخلاقٍ وسيرةٍ حسنة، فالمال قد يفنى والعقيلات قد ذهبوا، ولكن بقيت بصمة القصيم.