في الوقت الذي يعتقد فيه كثيرون أن توزيع أماكن البضائع في محلات البقالة والسوبر ماركت يأتي حسب تقديرات مالكيها والعاملين فيها، بيّن باحث متخصص أن مراكز الأبحاث والشركات المتخصصة بدأت في السنوات الأخيرة في الدراسات والاستبيانات والتحليلات التي أنفقت عليها الكثير للتنبؤ بسلوكيات المشتري وكيفية تحريضهم على مزيد من عمليات الشراء مستفيدة مما يسمى بعلم التسويق العصبي.

وعلم التسويق العصبي يعد من الأساليب التي يمكن من خلالها التأثير على دماغ المستهلك وتحريضه على الشراء باستثمار التركيز على حواسه مثل النظر والشم والسمع وغيرها.

ورطة

لم تكن نوف الفياض تدرك أن عملية تسوق تجريها مع أحفادها ستنتهي بدفع مبلغ لم يكن ضمن خطتها، وهي تقول «ابتعت المتطلبات اللازمة والأساسية مع بعض المفرحات لأحفادي، ولكن حين وقفت عند صندوق المحاسبة فوجئت بأيدي الصغار تمتد إلى كم كبير من الحلويات الملونة والألعاب، وقد تمسك كل منهم بما اختاره، الأمر الذي اضطرني لأن أضيفها للفاتورة».

وتابعت «وجود تلك الألعاب والحلويات الملونة قرب طاولة المحاسب، يجعل الصغار يتعلقون بها خلال انتظارهم عملية المحاسبة فتضاف رغما عن ذويهم للفاتورة لشدة تعلقهم بها».

تنبؤ ذكي

يرى الباحث المتخصص في فنون التسويق أحمد فتحي النجار، أن مراكز الأبحاث والشركات المتخصصة في الدراسات والاستبيانات والتحليلات تستخدم عشرات الملايين من الدولارات لهدف واحد، وهو التنبؤ بسلوكيات الناس وتوظيفها لخدمة التجار، وبما يعزز من حجم الاستهلاك وحجم الأرباح، وقال «تلك حلقة أساسية من حلقات ما يسمى بالتسويق العصبي».

وأوضح أن «التسويق العصبي هو ببساطة عملية تهدف إلى السيطرة على عقل العميل المستهدف وتغيير قناعاته وتوجيهها نحو الاستهلاك بشكل أكبر وأوسع».

وتابع «فتح التسويق العصبي مساحة واسعة لتوظيف تكتيكات وأساليب تسويقية متعددة، إلا أنه يركز على ثلاثة أشياء مهمة في الدماغ، وهي:

العقل الجديد: وهو الجزء الذي يتخذ القرارات في الحال ويبرر لنفسه سبب اتخاذها.

الدماغ الأوسط: ويشارك أكثر في الأمور العاطفية وينقل المعلومات إلى الجزئين الآخرين من الدماغ.

العقل القديم: وهي المنطقة التي تتحكم في قرارات الشراء وتنبه العقل الجديد بأن عليه الاستفادة من المخزون بالذاكرة من التجارب».

وساطة الحواس

أضاف النجار «يستخدم المسوقون عددا من الحيل التي تعتمد على توظيف الحواس مثل حاسة الشم وحاسة النظر والسمع والتذوق واللمس، لأن هذه الحواس هي الوسيط أو المخبر الذي يدفع أجزاء الدماغ لإصدار الإشارات التي تربك كيان وعاطفة العميل المستهدف وتدفعه لاتخاذ قرار الشراء تحت أي مسمى أو تبرير».

وكشف النجار عن بعض التجارب الرائدة في هذا المجال، ومنها استخدام شركة دانكن في كوريا الجنوبية لتكتيكات تسويقية اعتمدت على استثمار حاستي السمع والشم لزيادة الطلب على منتجاتها، وتابع «لاحظت الشركة أن محطات الباص والمترو مزدحمة، وأن كثيرًا من المستهلكين المحتملين يفضلون (ستار بكس) ولهذا قررت بث إعلانات دانكن في المحطات والعربات مع استخدام أجهزة تطلق رائحة القهوة، وربط دماغ العميل المستهدف بمنتجات دانكن وبعد انتهاء الحملة ارتفعت مبيعات الشركة بنسبة 16%».

الأزمات النفسية

أنهى النجار حديثه «لأن العالم يتجه نحو أزمة ركود تضخمي وارتفاع في الأسعار بشكل متلاحق فإن التسويق العصبي قد يكون السبب في الأزمات النفسية والمشكلات الاجتماعية والأسرية، وخاصة إذا كانت قدرة الأشخاص وإمكانياتهم واستعداداتهم المالية غير مكتملة، فهذا الأمر سيزيد من معدلات الألم، لذلك فإن هذا التكتيك يستلزم استخدامه بحكمة من قبل التجار والمستهلكين».

فخ للمتسوقين

ترى سارا الرويلي وهي طالبة جامعية تخصص إدارة مالية أن المحلات تلجأ إلى حيل نفسية عدة لتغري المتسوقين، على الأخص ممن يخرجون للتسوق برفقة أطفالهم، وهنا لا يجدون سبيلا سوى إنفاق مزيد من المال، حتى لو لم يكونوا مقتنعين بالهدف الذي يستنزف مالهم، وقالت «كثيرا ما نلاحظ أن المحلات تعرض منتجات على مستوى نظر الطفل، أو منتجات عامرة بالألوان التي تلفت انتباه الأطفال وتجذبهم، وتدفعهم للإصرار على شرائها».

وتابعت «هنا تكمن الاحترافية في التعامل مع الأطفال وعدم اصطحابهم في كل مرة للتسوق، أو إقناعهم في حال أمكن ذلك بعدم الشراء».

مؤثرات عصبية

تبين الباحثة في مجال الإعلام الاقتصادي والوعي، الدكتورة تهاني الباحسين «أن هناك كثيرًا من الحيل التي تعتمدها بعض المحال التجارية وترغم المستهلك على دفع أموال أكثر عند التسوق، وهي تجعل المتسوق تحت تأثير الخضوع التام للمؤثرات العصبية والحيل النفسية، لا سيما ما تعلق منها باصطحاب الأطفال وتلبية رغباتهم».

ومن الحيل التي تجبر المستهلك على الشراء، قالت «نبدأ من عربة التسوق وحجمها الكبير والذي يوحي منذ بداية الأمر بضرورة أن تكون ممتلئة، وكذلك وضع الاحتياجات الأساسية في الرفوف الأخيرة، بينما تتقدم الاحتياجات غير الأساسية للمقدمة، ما يضطر المتسوق للمرور حتى بغير الأساسية للوصول إلى الأساسية، وهذا قد يغريه بشرائها».

وتابعت «هناك عروض الأسعار والتخفيضات التي قد يقع المستهلك في مغبتها، لا سيما العروض المنتهية بالرقم (99) ويتقدمها الرقم الأوفر حظا للتاجر، بينما أوضحت أن رائحة الخبز والحلوى والورد قد تُغري المستهلك للشراء دونما حاجة».

أزمة اقتصادية

أشارت الباحسين إلى أهمية وعي المستهلك بما يدور حوله من مغريات، وهذا لا يتحقق إلا بالتدريب المستمر الذي يمكنه من عدم الاستجابة لهذه المغريات وضرورة الوقوف فقط على الاحتياجات الأساسية حتى لا تقع الأسرة ضحية للحيل العصبية أثناء التسوق بالتالي تتورط في أزمة اقتصادية غير مخطط لها.