دموع الكبير إذا خرجت، تخرج كبيرة مثله، وحين يشعر فنان بيأس فمعنى ذلك أن التفاؤل في هذا الكون يتضاءل قليلا ويتقلص من الدنيا شجر كثير، بكى سعد الفرج مثل طفل على ما وصل إليه المشهد في بلده، وهو معذور، كيف لا وهو من قرأ برؤيته منذ ثلاثين عاما تقريبا في مسرحيته النبوئية "حامي الديار" كل الأمراض السياسية والاجتماعية والاضطرابات التي تجلت اليوم. شهق بالدمع عجوزا على شاشة التلفزيون وهو الذي لم يشك من رصف إسفلت طريق السالمي وهو يمده عاملا في وزارة الأشغال مطلع شبابه نهاية الخمسينيات قبل أن يطير إلى الولايات المتحدة وبريطانيا دارسا لشغفه الأول المسرح والسينما في الستينيات.

أستاذ الخشبة والشاشة، مورغان فريمان الخليجي تأبط قنوطه المرير شاكيا بشفافية المبدع، تهشم بأنين لطيف لكن وادي السياسة الكويتي لا يرد صدى، جاءت مسرحية "حامي الديار" خارطة طريق للأجيال اللاحقة.. كوميديا سوداء من قلب أبيض يومها كانت الكويت وهجا وألقا في كل شيء وكان المسرح سيد قاطرة البلد الصغير في حجمه الكبير بمبدعيه.

قبل تلك المسرحية بسنوات انفصل سعد عن رفيق دربه، كانت الاختلافات عميقة وجذرية، أشغلت التجارة حسين عبدالرضا فيما قرر سعد الاهتمام بقضايا وهموم مجتمعه الصغير، فطرح المشاكل جلية واضحة مشخصا الداء والدواء والأدوات، كان يصرخ لكن صراخه تاه في تفاصيل المصالح والاستقطابات، فغاب سنوات طويلة بعد أن رأى ألا فائدة، واليوم يظهر مختلسا أدوارا هنا وهناك في أعمال صدقا هي أقل من موهبته.. فلقمة العيش مرة والحياة تزداد اشتراطاتها وهو لا يجيد شيئا غير التجلي على خشبة عشقها ومنحها عصارة خبرته ووعيه، فمنحته حب الناس وقبل ذلك احترامهم.

نعم بكى الرجل كما لم يفعل قبلا فهل نلومه على حرقته على وطنه؟ طبعا لا، فالضحكات التي نثرها عقودا كفيلة بأن تحيلنا مناديل لكفكفة دمعه الذي أسبله مباشرة على الشاشة التي احتشدت بأعماله الخالدة مسرحا ودراما.