يرجع كثير من الناس سبب إخفاق بعض المؤسسات في تنفيذ مهامهما وخططها، وتعثر بعض المبادرات أو المشاريع، إلى الوزير الفلاني أو المسؤول الفلاني، وأنه ليس أهلًا لتلك الوزارة أو تلك المهام، وأنه لم يقدم شيئا يذكر، أو أنه سبب في بعض المشاكل للوزارة أو القطاع الذي يعمل فيه.

ومعلوم أن الجماهير والناس لا تنشغل بالتفكير والتحليل المنطقي لأنها غير متفرغة لذلك، وأيضا ليس من مهامها، فهي تحكم على النتائج التي تلامس احتياجاتها وتربطها بالمسؤول الأول ولا تنظر إلى الجهد والتعب والأسباب الحقيقية للفشل.

هذ المقدمة تسوقني إلى طرح تساؤل بسيط حول الفشل، فهل الفشل هو بيئة ومستنقع لا يمكن المرور منه، ويكون وحلا مميتا؟ أم محطة يمكن العبور منها إلى طرق النجاح؟

ووجدت الإجابة عن هذا التساؤل البسيط بأحرفه وطرحه، والمتعب في البحث عن حقيقته والاستنتاج من خلال التجارب والنظر بعين المستكشف والجراح الذي يحاول أن يقدم حلولا جذرية، مع التشخيص وعدم الاكتفاء بتشخيص الحال لأن هذا الأمر في اعتقادي لا يكتفى فيه بطرح الأسباب، وإنما أوسع من ذلك لحل مثل هذه المعضلة.

سوف أبدأ بمقولة للكاتب داشون وانغ الأستاذ المشارك في كلية كيلوغ للإدارة (Kellogg School of Management) والذي شارك في إجراء دراسة بعنوان (تحديد ديناميات الفشل)، حيث بين أن الذين يشهدون إخفاقات مبكرة في حياتهم غالبا ما ينتهي بهم الحال أن يصبحوا أنجح من نظرائهم الذين يحققون نجاحات مبكرة. هذه المقولة والقاعدة في طريق النجاح مرتبطة بأمور كبيرة، من ضمنها الاقتناع بضرورة التغيير والابتكار، وطرح أكثر من حل لقضية واحدة.

فالمؤسسات والوزارات التي تبحث عن النجاح، دائما ما تحاول أن تقدم خدمات وتتطور ولكنها قد تفشل في طرح بعض الحلول، وهذا الفشل قد يتسبب في غرقها وتدخل في مواجهة مع الجماهير وعدم رضاهم عنها، ولا أدل من ذلك، أن بعض المسؤولين قد يكون نجاحه مبهرًا في أحد القطاعات والوزارات، ولكن قد لا يكون ناجحا في قطاع آخر، والسبب في ذلك -وهذا هو جوهر حديثنا- أنه قد يصطدم بوحل الفشل، وهي البيئة التي ترفض التغيير وتحاربه وتوظف مهندسين مبتكرين للفشل، فمهما كان المسؤول ذا رؤية طموحة، فقد يرى أن البيئة طاردة وقاتلة، وأقصد بالبيئة (الهيكلة والأنظمة ومحدودية الصلاحيات) وينطبق عليها قول الشاعر:

(ألقاه في اليم مكتوفا وقال له **** إياك إياك أن تبتل بالماء)، فلا يمكن أن يغير أي أمر أو أن يصنع قصة نجاح إذا قيدت يداه.

الأمر الثاني ضبابية الرؤية لدى الجهة والقطاع أو عدم وجودها، كذلك عدم المواكبة للتطور ووهن الأهداف الاستراتيجية، وقد تكون أهدافا غير طموحة وليست ذات أثر طويل الأمد، وهذه القضية لا محالة تسقط أي مسؤول في هذا الوحل، فهي تجعله يسبح عكس التيار.

الأمر الثالث هو التفكير التقليدي في رسم التخطيط الاستراتيجي، فقد ذكر مؤلف كتاب (مفاجآت لا مفر منها) لبيتر شوارتز خبير علم المستقبل ونائب الرئيس الأول للتخطيط الاستراتيجي في شركة (سيلزفورس)، سبل الإعداد الحكومي للتطورات المستقبلية غير المتوقعة، وبين أن التخطيط التقليدي والتفكير النمطي والأسئلة التقليدية لمواجهة المستقبل لن تقدم نفعا لأي وزارة أو قطاع في المستقبل، وأن أحد أسباب الفشل هو عدم التوقع وعدم الاستعداد، ولعل أزمة كوفيد بينت لنا كيفية التعامل مع المفاجآت غير المتوقعة.

هذه جزئية من التشخيص، لكن ما الحلول التي من الممكن أن تنجِّح أي مسؤول ولا تعتبره مسؤولا عن الإخفاقات المتتالية، وتجنبه الوقوع في وحل الفشل الذي لا يمكن الخروج منه. تسهم هـذه الحلول في تقديم رؤية ومشروع له أهداف واضحة، تحقق إنجازات ذات أثر يمكن الشعور بها، ومبنية على أدلة وتجارب قبل تعميمها، وذكر التحديات التي قد تواجهها قبل البدء.

الأمر الرابع إعادة هيكلة إدارية جزئية أو كلية، لتحقيق هذه الأهداف وبأقل الخسائر، وبناء هيكلية مرنة أو موازية للوصول للأهداف.

الأمر الأخير، الشفافية والحوكمة والصلاحيات المحاسب عليها التي تضمن سير العمل.