دعا الباحث في الآثار وتاريخ المدينة المنورة الدكتور عبدالرزاق الرميحي، إلى إعادة تأهيل محطات قطار سكة حديد الحجاز التاريخية، وما تحويه من مبان وقلاع وحصون، وآبار قديمة ومخازن ماء وبرك، لتكون واقع جذب سياحي، وذلك بالتزامن مع عمليات التجديد والتطوير، التي طالت عددا من المواقع التاريخية، من بينها سكة الحديد والقاطرات القديمة.

وتعد القلاع والحصون وسكة الحديد الحجازية وجسورها، من أهم الآثار التي ما زالت شاهدة على حضارة العالم الإسلامي قبل أكثر من 100عام.

توزع المحطات

على طول طريق «درب» الحاج الشامي، الذي يربط المدينة المنورة بالشام، تنتشر محطات قطار سكة حديد الحجاز، التي تعد بمثابة متاحف تاريخية مفتوحة تحتوي على أجزاء من سكة الحديد وعربات القطار، ومبان تاريخية تشكل تحفا فنية وهندسة معمارية فريدة، شاهدة على الحضارة الإسلامية القديمة.

وما إن تسلك الطريق القديم من المدينة المنورة إلى تبوك، فإنك تعيد ذكرى قرن من الزمن، لتشاهد محطات بمبان أثرية تضم جزءا من سكة الحديد ومحطات بها قاطرات، شيّدت على مسافات متباعدة، تحتفظ هذه المحطات وعربات القطار بقيمة أثرية، جعلت منها مقصدا سياحيا.

تأهيل القاطرات

تعد محطة قطار سكة حديد الحجاز مركز «البوير» التابع للمدينة المنورة، إحدى 32 محطة لسكة الحجاز داخل الأراضي السعودية، وهي تشكل في تصميمها متحفا مفتوحا يروي صفحات من التاريخ، من خلال المعالم التاريخية والأثرية المنتشرة في أرجائها.

وعلى الرغم من أن محطات القطار التاريخية ومرافقها العمرانية، شهدت نقلة نوعية عندما قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار قبل عدة سنوات، بإعادة تأهيلها وتجديد عربات القطار، إلا أنها اليوم بحاجة ماسة الى أعمال صيانة ضرورية وحماية، بسبب ما تتعرض له من اعتداء من قبل ضعاف النفوس، الذين ينبشون الآثار والتاريخ بحثاً عن وهم الثراء السريع.

طريق الحجاج

اكتسبت محطات سكة الحجاز، أهمية كبيرة قديما، حيث كانت غنية بما يوفر الراحة للحجاج بما في ذلك القلاع، وأبراج المراقبة، ومصادر المياه.

وأغرت السكة الحديدية الرحالة والمستكشفين للسفر والاستكشاف، حيث ربطت بلاد الشام «دول شرق البحر المتوسط» ومصر، مع المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، لتسهم سكة حديد الحجاز في تزايد أعداد الرحالة والمستكشفين، الذين جعلوا الحجاز ضمن نتاجهم الفكري وأفردوا له فصولاً في مؤلفاتهم.

اقتفاء أثر

تنظم «مجموعة اقتفاء أثر»، وهي تضم مجموعة من الباحثين والمختصين والمهتمين بتاريخ المدينة المنورة، رحلات دورية للوقوف على الآثار المرتبطة بالسنة النبوية والتاريخية والأثرية، يرصدون خلالها المتغيرات على المواقع التاريخية مثل المسميات والمتغيرات الأخرى، إسهاماً منهم بالحفاظ على الموروث التاريخي.

ويقول المشرف على المجموعة عبدالسلام الرحيلي إن «المجموعة تنظم رحلات في كافة أنحاء المملكة لتتبع خطى الحبيب -صلى الله عليه وسلم - والوقوف على المواقع التاريخية والأثرية، لرصد ما يطرأ من تغيرات حولها، سواء كانت في مسمياتها أو التغيرات الجيولوجية حولها، ويدونون ملاحظاتهم عن تلك المواقع التي يزورونها».

ويوضح أن «العمل يقوم على طاقات الباحثين من الشباب السعودي، إسهاماً منهم في مساعدة الباحثين والمهتمين والحفاظ على الإرث التاريخي والمادي للمدينة المنورة، ورصد المواقع الأخرى المرتبطة بالسيرة النبوية».

استقصاء التاريخ

دعا الرميحي إلى إعادة تأهيل محطات القطار التاريخية، وما تحويه من مبان وقلاع وحصون وآبار قديمة ومخازن ماء وبرك، تقع على طريق الحاج القادم من شمال الجزيرة العربية، تزامن إنشاء بعضها مع بناء سكة حديد الحجاز في مركز «البوير»، امتدادا مع سكة الحديد حتى الوصول إلى مدينة تبوك.

وأشار الرميحي إلى أن «القلاع والحصون وسكة الحديد الحجازية وجسورها، من أهم الآثار التي تشهد على حضارة العالم الإسلامي، وقد تنوعت هذه المباني التاريخية بين القلاع الكبيرة أو الحصون وأبراج المراقبة، ومرافق كانت مخصصة لخدمة المسافرين والحجاج من آبار ومساجد وغيرها».

وتعقب الدكتور الرميحي وعدد من الباحثين، الآثار والمواقع المرتبطة بالسيرة النبوية على طريق الحاج الشامي بمركز المندسة والمليليح ومركز البوير، ووقفوا على بعض المواقع الأثرية والتاريخية فيها، وبيّن ما تتضمنه من آثار ونقوش لاستقصاء تاريخ المدينة ورصد التفاعل التاريخي وحركة الإنسان فيها، وعلاقاته الاجتماعية والثقافية والتجارية، مبيناً أهمية تلك الآثار للحفاظ على التراث القديم، مشيداً بما شهدته المملكة في قطاع السياحة وتوجيه عدد من القرارات والأنظمة الكفيلة بالحفاظ على التراث الثقافي والتي ساهمت في ترسيخ دورها الريادي ثقافيا، للتأكيد على أن هذا البلد منطقة للالتقاء الإنساني والانفتاح.

حرب الحديد

قبل 100عام استجاب المسلمون من كافة أنحاء العالم، إلى نداء السلطان عبدالحميد الثاني لبناء سكة حديد بطول 1464كلم بين دمشق والمدينة المنورة، وسط اعتراضات الدول الغربية وحملات سخرية وتهكم من نجاح المشروع الإسلامي.

عمل القطار من 1909 إلى 1917 حتى بدأت الحرب العالمية الأولى لتصبح السكة والقطارات هدفا للتخريب والتدمير.

وبعد أن بدأ الجيش العثماني استخدام القطار في الحرب العالمية الأولى، أدى الصراع إلى قطع ذلك الطريق الحديدي، حيث هاجم الضابط الإنجليزي «تي إي لورانس»، المعروف بلقب لورانس العرب مع جنود ما يعرف بـ «الثورة العربية الكبرى» خط السكة الحديد، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، أصبح معظم الخط متهالكاً نتيجة الإهمال.

لورانس والعبث

بحسب الهيئة السعودية للسياحة، وخلال الحرب العالمية الأولى، تعرضت أجزاء من خط السكة الحديد للهجوم، من قبل توماس إدوارد لورانس وحلفاؤه العرب. وبحلول عام 1918، وبعد أقل من عقدين من بداية المشروع، تحولت السكك الحديدية إلى أنقاض، وتم التخلي عن المسار بشكل غير رسمي بحلول عام 1920.

خط سكة حديد الحجاز، صمم في الأصل لتسريع سفر الحجاج المسلمين من دمشق إلى مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، لكنه انتهى إلى أطلال بعد أقل من عقدين من بداية تشغيله.

ويمكن رؤية بقاياه المغطاة بأشعة الشمس اليوم، وهي تقطع طريقها عبر شمال غرب المملكة، في شكل سكك حديدية تغطيها الأتربة والرمال ومحطات مهجورة وقاطرات صدئة.

وأضافت «تم إنشاء خط السكك الحديدية في الأصل، لإقامة رابط بين القسطنطينية ومنطقة الحجاز في المملكة، موطن أقدس المواقع في الإسلام، وتقصير رحلة الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج.

امتد الخط، الذي بدأ عام 1900، لمسافة 1.600 كيلومتر من سوريا إلى المدينة المنورة، بحلول عام 1908، على الرغم من أن المحطة الأخيرة المخطط لها إلى مكة المكرمة لم يتم إنشاؤها أبدا.