انتقل تركيز الدعاية الإخوانية من المواجهة الصريحة مع الدول العربية، إلى العودة إلى محاولة كسب الحاضنة الشعبية، بعد أن خسرها الإخوان وفروعهم المتطرفة الأخرى، وأذاعوا أن هناك خطرًا داهمًا يهدد المجتمع المسلم، وحينها انتقل تحشيد الشباب -من الذين لم يخبروا استغلالهم المتكرر- تحت عنوان (قضايا الأمة) ليجري توزيعهم على برامج مختلفة، هدفها يظهر في تتبع سير توجيهها، وهو نشر الأفكار المتطرفة بينهم، لتشكيل تكتل معادٍ للدولة ويعمل وفق أجندة سياسية خاصة، فتنوعت البرامج وأسماؤها، ومردّ هذا: التمويه والتملّص من الرقابة، بأن تحجب خلفية الأسس الفكرية، والسياسية الموجهة لهذه البرامج، وهو عمل يمكن وصفه بالتقليد الإخواني المتوارث، فسلكوا هذه الاستراتيجية في كل بلد لإظهار انقطاع أواصرهم بالجماعة الأم، فتجمعوا في أحزاب مختلفة، تارة بـ(الإصلاح)، أو (العدالة والتنمية) ونحو هذا، وبقي الجوهر نفسه.

في 7 ديسمبر 2018، أعلن البشير عصام المراكشي انضمامه إلى برنامج (صناعة المحاور) الذي يشرف عليه أحمد السيد، وهو الذي وصفه المراكشي، بقوله: «الصديق العزيز»، وحث المراكشي الشباب على الانخراط في هذا البرنامج، وفي تتبع أرشيف تصريحات المراكشي، يظهر أنه حين سئل عن (أبي قتادة الفلسطيني) أحد أشهر الشخصيات التنظيرية في عالم المتطرفين ممن يكفر السعودية، قال بالحرف، إنه: «من علماء الأمة ودعاتها المعاصرين»! وفي جواب له بتاريخ 4 أكتوبر 2013، قال: «أبو قتادة من أهل العلم المعتبرين»، يعتبر أبو قتادة مرجعية مهمة للجماعات الإرهابية، وقد اعتمد على فتاواه ضد السعودية: فارس آل شويل الزهراني، في كتاب يحرض يستبيح دماء رجال الأمن، بعنوان (الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث)! وقد حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه عام: 2016.

وفي 11 يوليو 2017، سئل المراكشي عن السعودية بصراحة، فرفض اعتبارها بلدًا يطبق الشريعة الإسلامية، وقال: «ولا أعرف ذلك متحققًا في بلد إسلامي اليوم»، وحين سألوه من ينصح به من مشايخ السعودية، فقال: «سليمان العلوان» وهو الذي سُجنَ بتهم تتعلق بقضايا الإرهاب، وهو شيخ أحمد السيد وقدّم له منظومته، شخصية المراكشي كانت من الشخصيات الفعّالة في البرنامج، سوّق له، ووجه الشباب ليلتحقوا به، وصف البرنامج بقوله: «طوق نجاة للشباب في زمن التفاهة والضياع»، وفي تصريح له في 8 فبراير 2020، قال: «لا أعرف في عصرنا مشروعًا علميًا هو أحق به، من برنامج صناعة المحاور»، كيف لا يقول هذا لبرنامج تحت إشراف صديقه العزيز؟!

وبالعودة إلى موقع البرنامج الرسمي، أجابوا عن سؤال: ما المواد التي سيدرسونها؟ لم يجر ذكر اسم أي كتاب معتمد في الدراسة، بل مما ذكروه في المستوى الخامس: «المادة الثالثة: فن المناظرة، المادة الرابعة: فن الخطابة»! كلام عام، لا يثير أي اشتباه أمام المتصفح العادي، لكن بالرجوع إلى أحمد السيد نفسه المشرف على هذه البرنامج، كان قد نشر في 17، مارس2020، على حسابه في تويتر، قائمة ينصح بها شباب (الجيل الصاعد)، وفي هذه القائمة:

الرقائق: لمحمد أحمد الراشد: وهو اسم مستعار لأحد أشهر قيادات الإخوان المسلمين في العراق، ويدعى عبد المنعم صالح العلي، وكتابه الرقائق من ركائز التكوين في الأسر الإخوانية.

من روائع حضارتنا: مصطفى السباعي، مؤسس الإخوان في سوريا، ورئيس المكتب التنفيذي للإخوان، حين اعتقل مرشدهم الهضيبي.

الهمة طريق إلى القمة: لمحمد موسى الشريف، محكوم بقضايا تتعلق بالإرهاب، ينتمي للخط الإخواني.

الحرب على الكسل: خالد أبو شادي، من جماعة الإخوان، سجن في مصر عام 2019.

وليتربوا ما علوا تتبيرا: عمر الأشقر، أحد قيادات الإخوان المسلمين في الأردن.

العدوان على العربية: عبد الرحمن رأفت باشا، من الإخوان المسلمين في سوريا.

لم يكن عفو الخاطر إذن موضوع سيد قطب! فنصائح السيد ترجع إلى مؤلفات شخصيات إخوانية، ويتكرر اسم المؤلف أكثر من مرة في العديد من الأحيان، ومن 30 كتابًا نصح بها، كان منها 4 كتب لأحمد السيد نفسه، فيبقى 26 كتابًا، منها 16 كتابًا لشخصيات إخوانية بصورة صريحة، ويبقى 10 فحسب، منها كتاب دون مؤلف، بل باسم مركز بحثي لا يعلم مؤلفه تحديدًا، فيبقى9 كتب، انتقى فيها مع كل هذا أسماء متداولة في الأوساط الإخوانية.

كيف يمكن أن يكون الأمر عرضيًا، وقد خلت قائمته من أي عالم إسلامي رسمي في المملكة العربية السعودية، ألم يدرس في السعودية، ألم يسمع بأحد من علمائها؟ ما نسبة الاحتمال بأن يكون هذا الترشيح غير مقصود؟ كتاب مثل (الحرب على الكسل)، موضوعه واسع جدًا، بحيث يمكن تخيل أطنان الأوراق التي فيه، لكنه لم يجد منها كلها إلا كتاب سجين من جماعة الإخوان! فما علاقة هذا بالرد على الإلحاد؟ أو الشبهات، كل هذا يدفع نحو تصور التوجيه المركّز لهذه البرامج، بحيث تعمل على تلميع رموز الإخوان المسلمين، وزج مؤلفاتهم في رؤوس الناشئة، تحت عناوين برّاقة كمحاربة الإلحاد!.