من يراقب الحالة العامة لسلوك الأفراد في المجتمع، سيلاحظ أن الفرد بدأ ينتزع استقلاليته الفردية عن السلوك الجمعي الذي كان يتسم به المجتمع في السابق، كفرد من الجمهور أو القطيع. هذا الانتزاع الذي بدأ يكتسبه الفرد، نتج عنه أيضا قيم فردية تتواءم مع متطلباته وثقافته التي كونتها شخصيته لا مع متطلبات الجماعة التي كانت دائما ما تجعله مكبلاً في حالة من التبعية.

وهذا التحول مفيد وخطير في الوقت نفسه، مفيد لأنه سيقلص من الفكر الانقيادي الذي كان دائماً ما يعاني من تعطيله للعقل ونشره الجهل وابتعاده عن الإبداع لفترات طويلة.

ومفيد أيضاً لأنه سينهي سطوة المسيطرين على سلوك الفرد وأفكاره بعد استقلاله بعقله.

ولكنها تبدو فكرة خطيرة حينما يترك الفرد لنفسه صناعة قيمه الذاتية التي قد تدخله في صراع مستمر مع الآخر المختلف عنه، ما يزيد من احتمالية عزلته ومعاداته قيم الآخر المختلفة والمغايرة لقيمه. وأمام هذه النتيجة التي بتنا نلمسها ونلاحظها، تزداد الحاجة إلى قيم حاكمة تسنها الأنظمة والقوانين وتحاسب عليها الحكومات بصرامة، تتجاوز أنانية الإنسان، وتتجه لتنظيم المجتمع وسلامه، وتعمل على تجانس القيم الخاصة مع العامة، بشكل عادل ومستقر.

على سبيل المثال، في استنباط القيم من القوانين، ما قد ينشأ من قانون مكافحة التسول في نشر قيمة الكرامة والاعتزاز بالنفس أو ما قد ينتج من إيجاد لائحة للذوق العام وانعكاسها على القيم الجمالية وجودة الحياة.

كل ذلك تحقق وبدت آثاره تنعكس على المجتمع، ولكننا أيضاً في أمس الحاجة إلى سن قوانين تعزز مزيداً من قيم التسامح والتعايش مع بعضنا كأفراد في المجتمعات العامة والمهنية والأسرية، وبحاجة إلى قوانين خاصة تدعم المرأة، وترى أن في ممارسة «استنقاصها» كما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي، من ألفاظ نابية ضدها، سبيلا في نشر قيم منحطة ووضيعة لا يجب أن تشيع في المجتمع، ويكون ذلك الاستنقاص سمة أفراده!

وبحاجة أيضاً إلى مزيد من القوانين التي تقيد تجاوزات الإنسان «الفردية» تجاه الصحة العامة

والبيئة والحيوان، لخلق قيم تسم المجتمع بعلامات الحضارة والرقي، بمشاركة أصحاب الوعي من المختصين والمثقفين والمفكرين في استنباط قيم رفيعة من الأنظمة والقوانين الإنسانية الحديثة.