في أحاديث ودية صباحية يقول لي صديقي: إننا وصلنا إلى مرحلة من العمر يجب أن نعيش بسلام، علينا أن نبتعد عن أي شيء يسبب لنا القلق والتوتر، علينا أن نعيش بهدوء، لا تجادل كثيرًا وعش بسلام، قلت له: صدقت، نفسك في المقام الأول، لا تحترق على أحد، فلا أحد سيحترق من أجلك، مضى الرجل ونسي الموضوع وذهبت أنا، وأنا أفكر في الموضوع، وأتحدث مع نفسي ما الذي يجعلنا قلقين متوترين نحمل هم كل شيء؟ نريد أن نعيش بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين، لكن كيف؟ ومع التفكير وتكرار السؤال تذكرت نظرية العلاج العقلاني الانفعالي لصاحبها (البرت إيليس) وجدت الإجابة بسيطة جدًا تتركز في كونك تفكر وتتصرف بمنطقية وعقلانية وسوف تكون في سعادة واطمئنان، فإن كنت تفكر عكس ذلك فعليك تحمل العواقب.

تحدث (إيليس) في نظريته عن أن التفكير عندما لا يكون منطقيا ومشوشا فإنه سوف يؤدي إلى انفعال خاطئ، ينتج عنه سلوك غير مرغوب فيه، هذه الأفكار غير العقلانية تكون مهيأة للفرد من وقت مبكر نتيجة عوامل بيولوجية واجتماعية يكتسبها الفرد من والديه ومن المجتمع، عندما نقف مع أنفسنا ونحاسبها سنجد أننا نحن من يكسب أبناءنا أفكارا مغلوطة، نحن من نساعدهم على التفكير بطريقة سلبية غير منطقية، ألسنا من نستبدل قصص النوم للأطفال بقصص تعلمهم قيما إيجابية تنفعهم في حياتهم وفي تعاملهم مع الآخرين، وفي نظرتهم الإيجابية للحياة إلى قصص الأشباح والعنف والتخويف ؟

ألم نعهد إليهم اللجوء إلى الضرب والعنف في أي موقف ربما يتعرضون له في حياتهم بدلًا من تعليمهم ثقافة الحوار، وتقبل الآخر وأنه إنسان يصيب ويخطئ ؟

ألسنا نحن من نوليهم رعاية وحماية زائدة عن الحد الطبيعي حتى ينشؤوا اتكاليين معتمدين لا يتصرفون في أبسط الأشياء إلا بمساعدة غيرهم؟

هل ننكر أن الأغلب من الناس ينبه أبناءه دائمًا بألا يخبروا أحدًا أنهم سيعملون كذا، وسيقومون بكذا، لأننا سنصاب بالعين والحسد؟

النتيجة ماذا؟ يكبرون وتكبر أفكارهم اللاعقلانية معهم؟

انظروا إلى حالنا ونحن راشدون نقلق من أدنى شيء ونحمل هم كل شيء ونفسر كل شيء بما فهمناه وقرأناه في أنفسنا.

لا بد أن نعلم جميعًا أن التفكير غير العقلاني هو أكثر عامل أصابنا في مقتل، أهلك نفسياتنا وحرمنا العيش بسلام مع أنفسنا ومع الآخرين.

حجر الزاوية في نظرية (إيليس) هي قاعدة A-B-C

(A) تعني الحدث الواقع، (B) وتعني قراءة هذا الحدث حسب أفكارك منطقية أو غير منطقية، (C) وتعني الاستجابة النهائية وما يصاحبها من مشاعر لنأخذ مثالًا: حدث لك إخفاق في أمر ما وكنت منطقيًا في تفكيرك إيجابيًا في قراءة الحدث وأعدت السبب لتقصيرك أو إهمالك فالشعور النهائي سيكون الرضا بما حدث والعمل مرة أخرى على التصحيح والمضي قدمًا حتى النجاح، وإن كنت سلبيًا مشوش الأفكار غير منطقي ولا عقلاني فإنك سوف ترجع ذلك للعين والسحر والحسد.

عندما نراقب حياتنا سنجد أن لدينا أفكارًا غير منطقية ولا عقلانية. فليس عقلانيًا ولا منطقيًا أن يكون كل الناس يحبونك، ولن يرضى عنك كل البشر، ولن يتقبل كل الناس شكلك، وصوتك، وطريقة مشيك، وأكلك، ولا حتى أفكارك ولا آراءك! عش بسلام فلست مسؤولًا عن إرضاء وتحقيق غايات الناس كلهم.

لن تعيش بسلام وأنت تشعر بالقلق والخوف من الفشل، لأن فكرتك الخاطئة عن نفسك أنك لا بد أن تكون صاحب إنجاز ونجاح في كل ما تقوم به من عمل، فكرتك اللاعقلانية تجعلك تشعر بأنه لا يوجد أحد أفضل مني أنا أعلى منهم درجة ومكانة !!

إنها عقدة التفوق، عش بسلام واعمل من أجل حب العمل والنشاط وخدمة الآخرين وخدمة مجتمعك بشكل عام، استمتع بحياتك وتأكد أنه مهما بلغت من العلم والمعرفة أن هناك من هو أعلم منك.

عش بسلام ولا تقل إنه لم يتحقق لي شيء ما بسبب حظي العاثر، لو كان غيري لكان حقق ذلك ببساطة، لا تحزن، فحزنك لن يغير الموقف، وفكر بعقلانية أنت لست الوحيد الذي تعرض للإحباط، تقبل الموقف كما هو واعمل على التصحيح.

عش بسلام وواجه مصاعب الحياة فمن الأفكار غير المنطقية والتي دائما ما تجعلنا في صراعات داخلية أننا نتجنب التحدي والهرب من مواجهة الحياة، بما فيها من متطلبات ومسؤوليات، وهو ما يؤدي إلى مشاعر الحزن وعدم الرضا، يعتقد الكثير أن الهروب من الموقف وعدم مواجهته حل للمشكلة، وهذا ليس صحيحا بل إنه يفاقم المشكلة، البعض يقول لا أريد مشاكل لا تدخلني في نقاش أريد أن أعيش في سلام هذه فكرة غير عقلانية فهناك فرق أن تدخل في جدل لا نهاية له، وأن تناقش من أجل حل مشكلة، وهنا عش بسلام لأنك حققت لنفسك ارتياحا بوضع حد للمشكلة التي تعاني منها، الأمر بسيط.

عش بسلام وأنت مستقل بذاتك، ولديك سلوك توكيدي قوي، غير فكرة أن يكون لديك شخص تستند عليه في كل شيء، وتعلم كيف تستقل بذاتك، وتصرف بعقلانية في أمور حياتك بما تراه صحيحا لا تتنظر من الآخرين مساعدة في كل شيء.

عش بسلام ولا تحاول أن تجبر نفسك على معاقبة الآخرين!! إنهم بشر يخطئون ويصيبون ليسوا معصومين من الخطأ.

الخلاصة يا صديقي: إننا إذا غيرنا نمط تفكيرنا في الحياة واستبعدنا اللاعقلانية من تفكيرنا، فسوف نعيش متصالحين مع أنفسنا ومع الآخرين، علينا أن ننعم بهذه الحياة الجميلة ونستمتع بها في سلام وليكن شعارنا فيها الحب والتسامح.