يدور النقاش كثيراً عن التوقعات الاقتصادية الخاصة بالعام القادم، وينظر البعض بصورة متفائلة وأخرى متشائمة، وأعتقد أنَّ لكل وجهة نظره ومبرراته، ويعود بعضها لظروف جيوسياسية واقتصادية يمر بها العالم، بالإضافة إلى التحديات التي كانت في 2021 بعد الخروج من أزمة كورونا وصولاً لبدايات التعافي الاقتصادي منها.

وقد تفاوت هذا التعافي بين الدول والاقتصادات بشكل مختلف، وبلا شك أننا في المملكة لسنا بمعزل عن ذلك، ولكن ولله الحمد المنظور مختلف في التعامل مع الأزمات والظروف؛ ويعود ذلك بعد فضل الله تعالى إلى واقعية الحكومة في التعامل مع كل ما يحدث من حولنا وفقاً لما هو متاح، واضعة في الاعتبار إبقاء الاقتصاد بشكل مستدام وحيوي ومزدهر.

حقق اقتصاد المملكة - بفضل الله سبحانه وتعالى - مكتسبات عديدة بسبب نموه الثابت، معززاً بذلك مكانته ضمن مجموعة دول العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، بناتج محلي قدره 833.5 مليار دولار، فهو يعتبر الأكثر نمواً بين اقتصادات هذه المجموعة، وما يدل على ذلك هو نسبة نموه التي وصلت إلى 9.6 % خلال الربع الأول من العام الجاري، والذي يعد الأعلى معدلا منذ عشر سنوات تقريبا، بحسب أحدث تقرير نشرته هيئة الإحصاء في المملكة، حيث نمت الأنشطة النفطية بمعدل 20.4 % وغير النفطية بمعدل 3.7 %.

ونتيجة لذلك؛ أشاد العديد من الكيانات الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي بنمو اقتصاد المملكة، ليحافظ صندوق النقد الدولي على توقعاته لنمو اقتصادنا للعام الحالي والقادم عند 7.6 %، فيما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أحدث تقاريرها عن آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2022، أن يحقق اقتصاد المملكة نسبة نمو تصل إلى 9.9 % خلال هذا العام، وهي أعلى نسبة نمو متوقعة بين دول مجموعة العشرين؛ وكل هذا يأتي نتيجة للدور القيادي المحوري الذي تقوم به المملكة من خلال تقديم مبادرات ضمن إطار أهداف مجموعة العشرين، هذا بالإضافة إلى سياساتها المتوازنة لضمان استقرار أسواق الطاقة على الصعيد العالمي؛ وهذا الأمر محل تقدير واحترام منظومة الطاقة في مختلف المحافل الدولية.

ومن أكثر المؤشرات الإيجابية التي تدل على النمو المتصاعد لاقتصاد المملكة، زيادة فعالية السياسة المالية والنقدية، الذي صاحبه رفع كفاءة العمل الحكومي، بصورة لافتة، إلى جانب ذلك هناك زيادة في قيمة الاستثمارات، تبعتها مضاعفة في الاستثمار الأجنبي المباشر، بنحو أكثر من 20 مرة، وهذا الأمر سيزيد الاستثمارات إلى 30 % من الناتج المحلي، حيث يتوقع من كل هذه المؤشرات الإيجابية أن تتبوأ المملكة مكانة متقدمة ضمن المراكز العشرة الأوائل في مؤشر التنافسية العالمي، بحلول 2030 بأمر الله تعالى.

ومع هذه المؤشرات الإيجابية رفع المسؤولون بالدولة طموحاتهم متوقعين نمو اقتصاد المملكة بنسبة 8 %، خلال العام الحالي 2022، وفقا لما أشار إليه مؤخراً وزير الاقتصاد والتخطيط، على هامش النسخة السادسة من مؤتمر مبادرة الاستثمار الذي انعقد خلال الفترة الماضية؛ وهذا يدل على الثقة الكبيرة في أن يحقق اقتصاد المملكة المزيد من الإنجازات والنمو، ليحافظ على معدل نمو متصاعد ومزدهر.

وتماشيًا مع حرص المنظومة الاقتصادية على التنوع الاقتصادي، فإنَّ الطموحات تمتد إلى القطاع الخاص، الذي له دور كبير في تنويع مصادر نمو اقتصاد المملكة، وذلك من خلال تركيز أعماله على المشاريع الواعدة ذات العائد الاقتصادي المجدي، حتى تصل مشاركة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة 65 %؛ لذلك فإن المطلوب من كافة أعمال القطاع الخاص أن ترفع من سقف طموحاتها وتعمل على الاستفادة الكبرى مما حققه اقتصادنا الوطني من مؤشرات إيجابية ونوعية، لم تحدث منذ سنوات طويلة.

ومع اقتراب الإعلان الختامي للميزانية العامة للدولة لعام 2023 في ديسمبر المقبل وحسب البيانات الربع سنوية التي تصدرها وزارة المالية من المتوقع أن تحافظ المملكة على ميزانياتها متجاوزة التريليون - بأمرِ الله - مع ارتفاع الإيرادات والنفقات كمؤشر على استمرار الحكومة في الإنفاق الرأسمالي على المشاريع الاستراتيجية والقطاعات الحيوية.

وبغض النظر عن كيف ينظر العالم للعام القادم، فإنَّنا في هذه البلاد المباركة تعمل قيادتنا على تقديم الحلول وتساهم في تقديم الدعم لحل كثير من القضايا ذات الطابع الدولي، سواء كانت سياسية، اقتصادية، بيئية وكل ما من شأنه أن يخدم الوطن والمواطن؛ وبالتالي يحق لنا أن نتفاءل باستشراف ليس فقط عام مزدهر اقتصاديا وإنما مستقبل زاهر ومشرق بإذن الله لمملكتنا يتوج بتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات، لأنَّ منهجيتنا في العمل هي الأخذ بالأسباب وأن نعقل ونتوكل على الله في كل أمورنا.